انتهت المحاكمة الكبرى لنشطاء حراك الريف التي عقدت استثنائيا أمام محكمة الإستئناف بالدار البيضاء بقرار من محكمة النقض والتي استوحت الكثير من فصولها بكل أسف من قواعد محاكمات عهد الرصاص نسبة للظروف التي شهدتها خلال العشرات من الجلسات، وخلفت في نهايتها عقوبات عشوائية انفعالية وجد قاسية بعشرات السنين ضد معتقلين في أجواء مسطرية فاسدة لم تتردد المحكمة خلال جلساتها من طردهم من القاعة، كلما تشبثوا بحقهم في الدفاع أو رفضوا حرمانهم من أن يستفيدوا في الواقع من حقهم في الرد على النيابة العامة وقاضي التحقيق على ما دبجوه ضدهم من اتهامات تصل عقوبة بعضها إلى الاعدام، كما طبعت جلساتها انتكاسات تاريخية لحقوق الدفاع ابتدائيا واستئنافيا، وما سبق ذلك خلال الاعتقالات الجماعية والتحقيقات الشكلية التي مورس فيها التعذيب والمساس بالسالمة البدنية للعديد منهم، كل ذلك خلف اندلاع لهيب من الاحتجاجات ومن التنديدات بأصوات الأسر والعائلات والمظاهرات السليمة، وببيانات المنظمات المدنية والحقوقية الوطنية والدولية والتعليق بأقلام حملة الفكر والضمير والإحساس الإنساني والتاريخي ومن الصحافة والإعالام .
لقد شهد المغرب بحق، في محاكمة حراك نشطاء الريف بمرحلتيها بالدار البيضاء مأساة انهيار أسس المحاكمة العادلة بشكل لا مثيل له في العهد الجديد ــ ولا نحتاج للتذكير بها كلها لأنه سبق بيانها في مناسبة قبل اليوم ـ وشهدت سياقاتها وسوء تدبير جلساتها في مرحلتيها معا، و بشكل ملفت، على ضعف النجاعة القضائية الجنائية
وخلط الاجراءات بسبب غضب وانفعال رئيس الهيئة أدت به إلى جر المحاكمة لمتاهات برفض إخراج المعتقلين من قفص وضعوا به داخل المحكمة وحرم عليهم حق الولوج المباشر والحقيقي وبحرية للقضاء، و سمح بوضع
كاميرات لتصويرهم لفائدة جهة لا يعلمون من هي ولاية أغراض ستستعمل أشرطة الصور، و من خلال منعهم المتكرر من تقديم الاجوبة التي يعتبرونها مفيدة له دفاعا عن انفسهمم، أو من خلال إجبارهم أمام التمادي في إهانتهم التزام الصمت، وهو الوضع الذي استغلته بشكل غير مسبوق النيابة العامة و المحكمة فاعتمدت
محاضر البحث البوليسي وتقرير قاضي التحقيق ليخلو لها المجال ولتجد نفسها مع خصم المعتقلين ومع الطوق ِس ِِ سياسي بحضور الدولة وإدارة الأمن والوكالة القضائية الأمني داخل القاعة، ولتنتهي بإصدار أحكام بنَفَس ودون حضور المتهمين بعد غيابهم عن الجلسة قسرا واحتجاجا و ضدا على إرادتهم، ومن هنا فتحت أكبر محاكمة اسنثنائية في العقد الثاني من القرن أبواب المغرب على كل الاحتمالات.
رغم صبر ومعاناة المعتقلين ورغم مناشداتهم ونداءاتهم لمن يعنيهم الأمر من أجل رفع الاعتقال عنهم واحترام كرامتهم والاعتذار لهم بعد اتهامهم بالعَ َم حاحهم الانكباب على معالجة الاسباب الة و بالخيانة والانفصال، والعميقة والحقيقية وراء حراك الريف على المستويات السياسية والسوسيو -اقتصادية والعمل على فتح آفاق تجاوز
َمس الواعون من القوم مضاعفاتها من بعيد، لم
الأزمات التي تسببت في الحراك أصال أو التي لحقت به، والتي لتستوعب السلطة عمق النداء ولم تفتح باب المصالحة، ولما بلغ سيل الخروقات المسطرية أبعدَ حجمها بالمحاكمتين
الابتدائية واالستئنافية، ولما ضربتا صفحا عن التحقيق في تصريحات التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة التي تأكدت بتقارير طبية من خبراء المجلس الوطني لحقوق اإلنسان، ولما تعددت قرارات طرد فردية أو جماعية للمعتقلين من قاعة الجلسة، ولما كشف رئيس جلسة المحكمة الجنائية االستئنافية عن رأي سياسي قبل التداول
وتسرع وأعلن بأن المحاكمة لست سياسية قبل األوان منتهكا سر المداولة مما اضطر معه المعتقلون ودفاعهم
الاتجاء لمسطرة التشكك المشروع من أجل إحالة الملف والمحاكمة على محكمة أخرى عسى ان تحترم في حقهم قرينة البراءة وتصون لهم عمليا وواقعيا حقوق الدفاع كما يضمنها الدستور، ف ُرفض طلبهم بالطبع من قبل محكمة النقض، رغم كل ذلك استمر التحدي المسطري عوض ال ِحكمة القضائية واستهانت الدولة بمؤسساتها الحكومية
بمصير المحاكمة وما له عالقة بالعدل والقضاء والسجون واستخدم اإلعالم الرسمي والصحافة الصفراء للنيل من المعتقلين والتحرش بهم، واسترخصت حياتهم وصحتهم ومعاناتهم التي أعقبت اإلضرابات اإلنذارية و المتوالية والطويلة عن الطعام بسجن عكاشة، ونتج عن ذلك كله مع األ سف ما هو أخطر وهو المساس بالمشروعية
وبمبادئ الدستور وبسيادة القانون والقانون الدولي لحقوق اإلنسان وكأن المغرب وقضاء المغرب يعيشان القرون الوسطى، وفي األخير انتهت الفُرجة و َضربت العقوبات الصادرة في حق المعتقلين كل توقعات المالحظين داخل
الوطن وخارجه، ورجال القانون، والحقوقيين، واألمهات واألبناء واالسر عندما أدينوا بسنوات وبعقود من السجن.
لقد صدر العفو الملكي عن عدد من المعتقلين وهو عفو لهُ بصدد وقوع ما كنا نتخوف منه وننادي باالنتباه إليه، فها نحن بصدد نزيف من التداعيات لمحاكمة جماعية سياسية عنيدة، و لمسار طويل من الصبر ومن األلم والتحمل قدم المعتقلون السياسيون خالله كل التضحيات بحرياتهم وبصحتهم ليُظهروا بشاعة ما عاشوه، فكان الرد أن هو
لعقااب الجماعي القاسي الغير مفهوم لكن له خلفياته، ومن هنا فنحن أمام سقوط القناع عن شعارات دولة الحق والقانون وصعود ظال المستقبل المجهول، فعندما تفقد السياسة والعدالة األخالق والصواب ينهار معنى الوعي وتموت قدرة الانسان عن الفهم .
ِرجوا إليها و فرضتها عليهم عقل وها نحن ايضا اليوم في أدق لحظة يأس وأقوى تعبير عن المرارة استُدْيات اتؤمن اعمال بقانون القوة وسيف العنف وعدالة القهر، عقليات يظهر أنها بكل اسف ال ترغب في استقرار البلد والتشفق عليه وال على مستقبله ومستقبل مواطنيه، تتنــفس وعيا بئيسا له حساسية مع احترام المواطن وتطلعاته.
وها هي حالة حقوق الإنسان تهتز أعِمدَتها بعُف ما جرى في ُمحاكمة الدار البيضاء بانتهاك القانون والمساطر وضعف الرقابة وإهمال المحاسبة، بَ ْعد أن استعملت ضدهم الحكومة خطاب التخ ِوين واختارت بعض مؤسسات ها الابتعاد عن الحياد وتثمين المقاربة الأمنية، فكان صدور أحكام اإلدانة بمثابة غسل الخروقات الخطيرة التي عرفتها األبحاث التمهيدية و إجراءات التحقيق في القضية.
و َهاهم المعتقلون السياسيون ناصرالزفزافي ونبيل أحمجيق ومحمد حاكي وزكرياء أضهشور وسمير أغيد ووسيم البوستاتي، وهم عُزل أمام قهر وعنف ُمتعدد الوجوه، و ِح َصار َسد عليهم بأغاله العاتية منافذ الأمل، يعلنون تنازلهم عن جنسيتهم ، وها هو المعتقل السياسي كريم أمغار يخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ ما يزيد عن
عشرين يوما احتجاجا على الظلم الذي لحق به وبرفاقه، وها هو المعتقل السياسي ربيع األبلق من جديد يقرر الاستشهاد و خوض اإلضراب األخير عن الطعام معتذرا لوالدته، وها هي أم المآ ِسي التي تسبب فيها تعنت وضعف الوعي من قبل السلطات السياسية واالضطراب من قبل القضاء تأتي إلينا وتدخل المغرب وتفرض مساحات من الصمت القاتل على المسؤولين وكأن الموضوع يهم أشباحا في كوكب آخر.
إننا كدفاع المعتقلين السياسيين المحكومين في محاكمة الدار البيضاء، بعد أن نبهنا سابقا، ندق اليوم ناقوس الخطر و نحـذر و ننــذر أمام نتائج االنحراف المسطري والمس بالمشروعية وسيادة القانون واالحتماء وراء المقاربة
الأمنية في معالجة الملف، ونحمل المسؤولين بالسلطة القضائية قضاءا جالسا وواقفا عواقب الجري نحو الادانة دون اثبات ولو بأرخص حجة وأ بخسها وانتهاك أسس المحاكمة العادلة انطالقا من األبحاث التمهيدية ومن التحجير على وسائل الإثبات للمعتقلين إلى إعالن األحكام النهائية مرورا بكل ما عرفته من من ضعف التدبير والخلل في التوازن بين المتهمين والنيابة العامة، ول بات التي أتت بها األحكام وتداعياتها عليهم، َحجم خطورة العقو كما نحمل السلطات مسؤولية ما ترتب وما يمكن أن يترتب مستقبال بعد محاكمة الحراك وإدانة المعتقلين من
الأضرار بالوطن وبسمعته وبمصداقية قضائه وبالريف وبأهله وبكل معتقلي الحراك في السجون المتفرقة، ونطالب السلطات برفع الضغط على المحكومين وعلى كل مبادرة تروم البحث عن حلول صادقة لإلفراج عنهم، ونقول لها بأن العدالة ثِمينَة و ُمكلفة وتحتاج لمن يعرف قدرها ووقعها ليوزعها بالعدل و اإلنصاف و الحياد، كما
نطالب بالتحقيق في االنحرافات المسطرية والقانونية التي عرفتها مراحل البحث والتحقيق والمحاكمتين، وبمحاسبة من حرف مساراتها وتسبب وأجهز على حقوق المتهمين خاللها، ونطالب بكل اإللحاح باتخاذ الخطوة
المستعجلة واألساسية لفك األزمة من جدزورها وهي إطالق سراحهم وسراح الصحفي حميد المهداوي وسراح كل المعتقلين السياسيين.
المحاميات و المحـــامون الموقعون الاساتذة:
النقيب عبد الرحيم الجامعي،محمد أغناج، أسماء الوديع، أبو القاسم الوزاني، عبد الكريم الموساوي،
عبد العزيز النويضي، أحمد أيت بناصر، سعيدة الرويسي، عبد اإلله الفشتالي أمين، أنيسة كريش،
بشرى الرويصي، صباح العلمي، خديجة الروكاني، فاطمة المرضي، زهيرة مرابط، سعاد براهمة،
نعيمة الكالف، عبد المنعم الحريري.