إدريس الاندلسي
قليلة هي لحظات الندم في الممارسة السياسية ببلادنا. قليلة هي الفترات التي سمعنا خلالها قائد حزب استرجع قيادة بعد خسارة انتخابية مدوية و لكنه لم يفقد القدرة على الكلام السياسي. قليلة هي الفترات التي ينفجر خلالها رجل سياسي و يعترف أنه يتحمل مسؤولية الموافقة على قبول عضوية إبن من أبناء مدينة مراكش في حزبه. أثر على قراره من لا زالت له قيمته كبيرة لديه. قال بن كيران أن ” سي العربي بلقايد” العمدة السابق لمراكش نظيف هو من كان له التأثير على قبول السيد بن سليمان، المحامي بهيئة مراكش و البرلماني الحالي المنتمي الجديد للتجمع الوطني للأحرار في صفوفي حزبه. و بالطبع يشير رئيس الحكومة السابق إلى أن نائب العمدة السابق وجد له موقع قدم في حزب رئيس الحكومة الحالي و هو الآن من فرسان الكلام بحزبه الجديد. تراكمت لديه القدرات و أشياء يعلمها سي بن كيران و علم بها، قبل غيره ، عن تقلب الأحوال و عاديات الزمن. و تراجعت أسهم حزب العدالة و التنمية إلا أسهم المحامي بن سليمان الذي أتقن توقيت مغادرة سفينة العدالة و التنمية قبل أن يجد لنفسه مكانا في حزب الرئيس اخنوش، قد أتقن أيضا فنون الترحال.
لو كان لكلام بن كيران مجرد تأثير على مجريات أمور عادية لهان الأمر. لكن الأمر أعظم و القضاء تولى أمر الحسم فيه. التهم كبيرة و تتعلق بقضايا تهم ملفات يشتبه في علاقتها بصفقات عمومية قيل في شأنها الكثير. مضى اللقاء العالمي حول المناخ الذي حول مراكش إلى قبلة للتذاكر حول آليات تفعيل كل مقررات قمم حماية كوكب الأرض من آفات تدمير التوازنات البيئية من طرف الإنسان و الدول. المشكل الذي تكلم عنه بن كيران و الذي يخص العربي بلقايد و بن سليمان له ارتباط بصفقات قمة المناخ بمراكش. كثيرة هي الصفقات التي أبرمت قبل بداية هذه القمة و كثيرة هي الصفقات التي تمت بعد نهاية القمة و التي يقال أن تمريرها بالاستثناءات القانونية لم يخضع لمقتضيات مرسوم الصفقات العمومية الذي اهتمت حكومة “العدالة و التنمية ” بتعديله كما اهتمت بذلك حكومة عبد الرحمان اليوسفي و يهتم بها أصحاب الأمر في حكومة عزيز اخنوش.
الصفقات العمومية في بلادنا تسخر لها عشرات الملايير من الدراهم و تكاد تشكل الجزء الأكبر من الإستثمار ببلادنا. و قد عبر أحد قياديي العدالة و التنمية قبل سنوات عن خطورة حجم الرشوة المتعلقة بهذه الصفقات و تجرأ على تقدير نسبتها بحوالي 2% من الناتج الداخلي الإجمالي. و كان ما كان بعد قمة المناخ بمراكش و تحركت مساطر المتابعة في حق عمدة مراكش السابق و نائبه. و لا زالت المحاكمة مستمرة مع مطالبة النيابة العامة بعقوبات سجنية كبيرة في حق المتهمين في هذه القضية. الخروج الأخير لبن كيران لم يختلف عن خرجاته السابقة. أكد أنه مستعد للدخول إلى السجن بدل عمدة مراكش السابق السيد العربي بلقايد و عبر بطريقة غير مباشرة على أن ما جرى تسبب فيه نائب العمدة السابق الذي هاجر إلى حزب عزيز اخنوش.
قد يتم النطق بالحكم في نازلة صفقات قمة المناخ خلال الأشهر المقبلة و هذا مؤكد في ظل ما تعيشه بلادنا من حركية تحفظ حرمة مؤسساتها، و لكن الأهم هو المتابعة التي تحظى بها هذه القضية لدى الرأي العام. أكد بن كيران أنه يتحمل مسؤولية قبول السيد بن سليمان في حزبه و ذلك في إطار عملية التصالح مع من ناصروا البيجيدي في” سالف العصر و الأوان ” . القضية كبيرة و تهم جميع الأحزاب التي تبحث بكثير من الحرص على ما يسميه أهل علم الإجتماع السياسي بالحيوانات السياسية أو أصحاب ضمان الخزانات الانتخابية. لا يمكن التخلص من أي فعل جرمي اقترفه عضو في حزب من خلال بيان سياسي أو خطاب وزعته وسائل التواصل الاجتماعي. القضية سياسية بامتياز و تتطلب حكامة حزبية تحمي من آثار التساهل في منح تزكيات انتخابية و قبول أصحاب ” الشكارة” بدل أصحاب المبدأ و المعرفة و الكفاءة و خصوصا أصحاب العفة. و هذه الصفة الأخيرة لا تحتاج لمنهج حزبي أو ميثاق ايديولوجي لأنها مرتبطة بتعليم و تربية ليس إلا… أتذكر احتجاجات بعض متابعي برنامج ديكريبتاج الذي كنت أسيره. كنت أتمنى أن يأتي عمدة مراكش للإسهام في النقاش العمومي على هامش مهرجان مراكش للسنيما و لكن العمدة لم يحضر و حضر نائبه الذي لم تكن لدي معرفة سابقة به. أتذكر كم كانت الانتقادات كبيرة للجمهور الذي تابع البرنامج من خارج الاستوديو و من خلال الفايسبوك.