إلى صاحب المنزلة بين المنزلتين …. الحمار و البغل
بعد سقوط القناع عن أطروحات حزب العدالة والتنمية والشعارات التي ظل يرددها لاستمالة المغاربة ودغدغة عواطفهم، وبعد انكشاف الحجب وبطلان سحر بلاغات الأمين العام السابق، والتي ظل يرددها طيلة عقد سياسي ويزيد، أي طيلة ولايتين على رأس الأمانة العامة مع التمديد، حيث فضحت طلاسيم رموزه وبلاغته القديمة ولم تعد تروق للمغاربة، خاصة بعدما تبين أن التماسيح ليست سوى بعض القيادات من حزبنا جمعوا المناصب وراكموا التعويضات وعضوا عليها بالنواجد، فمنهم من جمع بين أربعة أو خمسة مناصب مستفيدين من تعويضات تفوق أجرة الوزير الأول في الحكومات السابقة.
كما أن العفاريت ليسوا سوى بعض قيادات حزب العدالة والتنمية والذين تعفرتوا و تفننوافي الزواج النضالي وممارسة العشق أو التحرر بالأحياء الراقية للعاصمة الفرنسية باريس.
مما دفع ابن كيران إلى ابتكار بلاغات و رموز جديدة، لكن هذه المرة تتعلق به وبإخوانه في النضال.
فقد احترت كثيرا وأنا أسمع تصريحه حيث وصف وضعه المعيشي بأنه “دون البغل وفوق الحمار”، وهو ما دفعني إلى البحث في المعاجم والموسوعات العلمية عن أسرار هذا المخلوق الغريب، فلم يسعفني البحث فالتجأت إلى بعض المتخصصين في علم أنساب الحيوان، فعجزوا بدورهم عن تحديد ماهية هذا الكائن، فانتهى بي البحث إلى بعض العارفين بأمور الدواب وسيرهم وأخبارهم، فكانت إجاباتهم تختلف باختلاف ثقافاتهم والمناطق التي ينحدرون منها.
فمنهم من قال ” أن الحمار إذا اشتد عوده وقويت عضلاته يطلق عليه اسم “الكاروش”.
ومنهم من قال أن المخلوق الذي يفوق الحمار ودون البغل، هو مسخ ناتج عن تجانس غير طبيعي بين الحمار والبغل.
وقال آخرون إنه من الدواب التي تظهر في آخر الزمان فتنشر الفتنة في البلاد بين العباد. إلى غير ذلك من الإجابات الغريبة والعجيبة.
غير أن ما يهم في كلام صاحب “المنزلة بين المنزلتين”، هو أن توظيفه للبغل والحمار هو توظيف بلاغي. فعلاقته بالحمار أو البغل ليست جديدة، فقد سبق في إحدى ملتقيات شبيبة العدالة والتنمية أن تحدث عن مساعدته لشخص كان يدفع أو يجر “الكريصة”، غير أن الرجل تنكر له ولم يعترف بالجميل، وقد أورد ذلك أثناء حديثه عن الحزب وعن إخوانه الذين تنكروا له ولم يساندوه في تحقيق الخلود السياسي على رأس الأمانة العامة لولاية رابعة، بعد ولاية التمديد التي نعتبرها ثالثة.
فالأمين العام السابق يعرف جيدا الوضعية المادية لكل من يرمز له بالحمار ومن يرمز له بالبغل، فهما ليس غريبين عنه، والأرجح أنهما من إخوان ورفاق الدرب في الحزب أو الحركة ممن وضعوا المكابح والفرامل لطموحه الزائد.
فلماذا لا يتحلى صاحب المنزلة بين المنزلتين بالجرأة والشجاعة ويعلن من يقصد بمنزلة الحمار ومنزلة البغل من قيادات حزب العدالة والتنمية؟
غير أن الأخطر من استعمال هذه البلاغات هو المبدأ الذي تنطوي عليه، فالقول بالمنزلة بين المنزلتين يدفعنا إلى مساءلة الخلفية المذهبية لسماحة السيد بن كيران، خاصة إذا أضفنا إليها الازدواجية في الخطاب أو مخالفة الأفعال للأقوال والتي يتحلى بها هذا الرجل والحزب في كثير من المحطات والوقائع السياسية، والتي تخفي مبدأ التقية الذي ينهجه ويسلكه.
ولأن المقام لا يسمح بإيراد العديد من الوقائع، نكتفي بالرجوع بالذاكرة إلى فترة أحداث الربيع العربي، حيث لازال الرجل إلى اليوم يمن على المغاربة أنه ساهم في تهدئة الأوضاع واستقرارها رفقة حزبه، والمفارقة أنه على الطرف النقيض خرجت شبيبة الحزب إلى الشارع ضمن حركة 20 فبراير، معبرة بذلك عن الموقف الحقيقي والخفي والحربائي للحزب و لتكشفلعب وتبادل الأدوار بين القيادة والشبيبة.
إن القول بالمنزلة بين المنزلتين وممارسة التقية، أمر خطير يدفعنا إلى التساؤل عن المرجعية الفكرية للسيد بن كيران اتباعه ، لأن المبدأ الأول يحيل على العقيدة الاعتزالية في حين تعد التقية أهم مبادئ الشيعة.
وقد وردت هذه البلاغات في سياق دفاع الرجل عن تقاعده الاستثنائي الذي حاول أن يبرره ويدافع عنه بكل الطرق والوسائل حتى ولو كالنت خارج مبادئ السياسة وأخلاق رجالاتها، فالمغاربة لا تهمهم تفاصيل الحصول على هذا التقاعد، ولكن تهمهم القضية من حيث المبدأ، ففي الوقت الذي ظل ابن كيران يتبجح بشعبويته أنه متعفف وأنه جاء للمساهمة في خدمة المواطنين، الذين صدموا بهذا الخبر وذهلوا، فقالوا بلسان واحد “الفقيه اللي نتسناو بركتو دخل الجامع بلغتو”.
فعوض الاعتذار للمغاربة أخد يدافع ويشرعن تقاعده واصفا الانتقادات التي وجهت له في وسائل التواصل الاجتماعي بأنها سلوك منحط يهدد استقرار المغرب وأنها تحاول الإساءة لعلاقته بالملك، في محاولة يائسة وبئيسة لخلط الأوراق وتلبيس الحقيقة.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي ويشوش على الاستقرار هو خروج السيد الأمن العام السابق رفقة اتباعه و مريديه إلى الشارع العام في أول جلسة لمثول “حامي الدين” أمام القضاء في قضية “آيت الجيد”، حيث تم حشد المريدين والأتباع في استعراض للعضلات والقوة على المغاربة و على مؤسسات الدولة واستقلالية القضاء، بشكل يذكرنا بالكتائب والميلشيات المسلحة الخارجة عن النظام أو باستعراضات حزب الله بشوارع لبنان.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي ويشوش على الاستقرار هو إرسال أقرباء قيادات الحزب والحركة إلى الجامعات التركية واستفادتهم من منح تحفيزية.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي ويشوش على الاستقرار هو الخلفية الفكرية و المذهبية غير الواضحة التي تقول بالمنزلة بين المنزلتين وازدواجية الخطاب التي تخفي مبدأ التقية.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي ويطرح السؤال، هو أين تصرف عائدات الممتلكات والمشاريع التي تم نقلها على وجه الهبة إلى الحركة بعد التعيين في المنصب الحكومي.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي ويشوش على الاستقرار، هو خلق القلاقل وإثارة النعرات والفتن بالتشكيك في الحقائق والمسلمات التي كان السيد بن كيران حتى وقت قريب يقرها ويصرح بها. فما الشيء الذي تغير حتى تغيرت لغة الرجل ب 360 درجة؟ أم أن هيستريا الطموح السياسي تعمي العينين وتطلق اللسان.
إن الذي يهدد السلم الاجتماعي هو الجنون السياسي الذي يدفع بصاحبه إلى تبني سياسة الأرض المحروقة (بخلفياتها التاريخية) في محاولة لخلط الأوراق وإقحام أعلام وطنية ومواطنة ساهمت في خدمة الوطن وتشكيل التاريخ السياسي المعاصر للمغرب بروح وطنية رغم اختلافات السياقات وما طبعها من تدافع طبيعي، كما أنها ظلت في حجم رجالات الدولة.
نعم اتفق مع صاحب المنزلة بين المنزلتين في أنه يختلف عن اليوسفي وعبد الله ابراهيم وبوستة وغيرهم، لأنه لا وجود لقواسم مشتركة تجمعه بهم أو تؤهله إلى مرتبتهم، فهؤلاء كما قلت رجالات دولة خدموا الوطن في سياقات سياسية مختلفة، وآمنوا بتداول السلطة في تدبير الشأن العام والمحلي بين القيادات والأحزاب، بوعي سياسي عميق مستوعب للخصوصية التاريخية والسياسية للمغرب، فنالوا تقدير جميع المغاربة، وتحولوا إلى رموز ومرجعيات سياسية وطنية وإلى حكماء يتم الرجوع إليهم والاستفادة من تجاربهم، ليس فقط من طرف أحزابهم ولكن من طرف جميع المكونات السياسية المغربية.
أما صاحبنا فلا يملك الكاريزما السياسية ليصنف ضمن هؤلاء، فهو ليس سوى نتيجة ظرف سياسي عابر، وفراغ لابد أن يمتلأ، فالرجل لا يثقن سوى الإبداع في سب وشتم كل من يختلف عنه أو ينتقده، بارع في التكفير السياسي، كما يتقن لعب دور الضحية لكسب العطف، وله مهارات فائقة في الاستخفاف بعقول مريديه وأتباعه الذين أطاعوه فأضلهم السبيل.
إن وصفه لمنتقديه في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بأنهم يحاولون الإساءة إلى علاقته بجلالة الملك تدخل في إطار التمويه ومرض تضخم الذات الذي يعيشه، فهو يحاول من خلال ذلك توهيم المغاربة أن لهم علاقة خاصة بالملك وأن له مكانة في المجتمع حتى بعد انتهاء مهمته كرئيس للحكومة، وأنه مواطن فوق العادة، وأنه لازال يلعب أدوارا مهمة في الحياة السياسية…