أفاد بيان المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد المنعقد في دورته التاسعة يوم الأحد 9 يوليوز 2023 بالمقر المركزي للحزب في الدار البيضاء، انه ” بعد مناقشته للتقرير السياسي الذي تقدمت به الأمينة العامة للحزب وللتقارير التنظيمية والمالية وكذا التقرير حول سير التحضير للمؤتمر الوطني الخامس للحزب ولاسيما ما استجد منها والوقوف على جميع المستجدات والقضايا خلال فترة ما بين دورتي المجلس، فإنه يسجل ما يلي:
استمرار الحرب الأطلسية على روسيا بأوكرانيا و المستجدات الأخيرة وانعكاساتها على الأمن العالمي بأبعاده المتعددة و اللااستقرار الجيوسياسي، وإذكاء بؤر التوتر في العديد من المناطق والدول، والكساد الاقتصادي وتهديد الأمن الغذائي والتوازنات البيئية، وارتفاع نسبة الهجرة ومآسيها، وعودة الميز العنصري بقوة عرقيا ودينيا وإثارة النعرات ضد الأقليات وتراجع الحريات والحقوق، الخ.
ظهور بوادر تشكل نظام عالمي جديد بقيم وأسس بديلة لإعادة بناء توازنات جيوسياسية عالمية تتجلى في بناء تكتلات مثل مجموعة ” البريكس” التي تلعب فيها الصين والاتحاد الروسي دورا أساسيا، وتستعد لإطلاق سياسة نقدية بديلة عن هيمنة الدولار، لها مقابلها ذهبا، بمثابة صندوق النقد دولي ثان. كما حصل بواسطة الصين تقارب سعودي ـ إيراني انعكس على اليمن وسوريا ولبنان وغيرها عن دول المنطقة، وأدى إلى انخراط دول أساسية من القارة الإفريقية في هذه التحولات.
استمرار تبعية وذيلية دول الاتحاد الأوروبي للسياسة النيوليبرالية المتوحشة واحتمائها وراء الدرع النووي الأمريكي، وانعكاس أزمة العولمة النيوليبرالية الدولية على دول غربية كفرنسا التي عرفت احتجاجات شعبية متتالية ضد التمادي في استغلال الطبقة العاملة بتمرير مجحف لقانون رفع سن التقاعد والاحتجاجات ضد العنصرية والتهميش والتسلط على إثر قتل شاب عمره 17 سنة من طرف قوات الأمن الفرنسية وكلها تعبيرات عن رفضها السياسات النبوليبرالية المدمرة للانسان والبيئة.
كما يسجل المجلس الوطني، استمرار الكيان الصهيوني بدعم من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في جرائمه وفي احتلال الأراضي الفلسطينية وتماديه في التوسع وبناء مستوطنات جديدة وحماية المستوطنين العنصريين والهجوم على قطاع غزة والضفة الغربية ومخيمات فلسطينية ضمنها ” مخيم جنين” الصامد.
كما يسجل على مستوى أوضاعنا الوطنية، تفاقم التضخم (التضخم العام 10% و في المواد الغذائية 20 %) و ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة مع ارتفاع البطالة و اتساع دائرة الفقر و الفوارق الاجتماعية و المجالية والمناطقية بوطننا ومآسي ” هجرة الشباب” عبر قوارب الموت، وذلك بسبب السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية للحكومات المتحكم فيها التي تنفذ الإملاءات الخارجية ، وتطبع مع الفساد وتفتح البلاد لاستغلال الأجانب مع استمرار الدولة المغربية في نفس النهج السياسي المفلس والتدبير اللاعقلاني اجتماعيا واقتصاديا والذي يحكمه النموذج التنموي الجديد، وميثاق الاستثمار الذي سيغرق البلاد في المديونية ويقوم بتسليع القطاعات الأساسية والحيوية ويضرب حقوق الواطنات والمواطنين، الشيء الذي سيكرس تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والجهوية والمناطقية وحسب النوع وديمومتها بشهادة مؤسسات دستورية رسمية ( المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب ومجلس المنافسة وغيرها) والتي تؤكد على أن المغرب في طريق الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي و التفاوت الطبقي إلى مرحلة الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية (باستثناء الفئة الأوليغارشيا النافذة). يتجلى ذلك أساسي في ما يلي:
تجفيف الموارد المائية و تحويل النموذج الانتاجي الفلاحي الوطني إلى حديقة خلفية للمستثمرين الأجانب وللطبقة المهيمنة من كبار الفلاحين المصدرة للخارج مقابل إهمال مطالب وحقوق الفلاحين الصغار الذين يمثلون 85% وما سببه ذلك من تراجع الإنتاج الوطني الموجه لتلبية الحاجيات الداخلية الشيء الذي يتناقض مع المصالح الوطنية العليا ويدمر القدرات الوطنية و يهدد الاستقرار و السلم الاجتماعيين.
فشل التوجه الحكومي وشعارات “الدولة الاجتماعية” و”الحماية الاجتماعية” التي بقيت مجرد عناوين تحتاج لمقومات و منطلقات أساسية و لإرادة سياسية حقيقية أساسها تثبيت الدور الاجتماعي للدولة (كضرورة أبانت عنها جائحة ـ كوفيد ـ 19) و وضع حد لسياسة الخوصصة و”التسليع” و “الانفتاح”.
تعثر مشروع “الحماية الاجتماعية” الذي تبنته الدولة وإخراج المجموعات الترابية الصحية في 12 جهة و فتحتها للخواص، والعمل على إخراج السجل الاجتماعي الموحد، لتوجيه دعم ” حد أدنى” للفآت الأكثر فقرا وتوجه بذلك ضربة قاضية للطبقة المتوسطة مع استمرار تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي و برمجة ما تسميه “إصلاحا” لنظام المقاصة في 2024 لرفع الدعم عن غاز بوتان والسكر والدقيق وغيرها، والرضوخ لإملاءات البنك الدولي بقرار تعويم الدرهم قبل 2028 وما سيترتب عن كل ذلك من نمو للتضخم وارتفاع للأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.
ارتفاع سعر المحروقات، بعد خوصصة لاسمير وتهديد الأمن الطاقي للبلاد، وتحرير أسعار المحروقات الذي حرك جشع اللوبي المستثمر في هذا القطاع والاغتناء غير المشروع لبضع عائلات التي عقدت اتفاقا لاأخلاقيا أكده “مجلس المنافسة” وذلك على حساب الفئات الواسعة المتوسطة والفقيرة، في ظل ربط سلطة المال بالسلطة السياسة، ورغم تضارب المصالح فلن تتم أية محاسبة في ظل الإفلات من العقاب وغياب استقلال و نزاهة القضاء و في ظلّ “ديمقراطية الواجهة”.
تمرير الأغلبية الحكومية، الناتجة عن انتخابات شتنبر 2021 الفاقدة للمصداقية، ل “ميثاق استثمار” طبقي لاديمقراطي ولاشعبي يخدم جهات خارجية ووكلائها المحليين، وتمادي الدولة في سياسة السطو على أراضي المواطنين ومصادرتها الجائرة و تفويتها للأجانب وللوبيات المحلية الجشعة.
محاولة الدولة وحكومتها الشروع في تنفيذ الإتفاقية المبرمة سنة 2019 المتعلقة بتسليم معطيات حول مغاربة العالم لدول الاتحاد الأوروبي (المغرب و لبنان فقط) خاصة الأرصدة المالية في الأبناك والممتلكات وتبعات ذلك لاسيما فرض أداء ضرائب إضافية و بأثر رجعي لفائدة بلدان الإقامة و هذا ما يستنكره وبشدة مغاربة العالم ويطالبون حماية المغرب لهم.
استمرار أرعن للحكومة في خوصصة قطاعات حيوية كالماء والكهرباء والتعليم وتسليع الخدمات الصحية وسن قوانين في آجال استثنائية لإنشاء “شركات جهوية متعددة التخصصات”، و”مجموعات صحية ترابية”، و ” ميثاق الاستثمار” للوجود، والتراجع عن بناء 34 كلية و ملحقة للتعليم العالي مع تشجيع التعليم العالي الخاص و بدعة الشراكة عام ـ عام، وخلق الشراكات بين الجامعات الوطنية والأجنبية حيث يقضي طلبتنا أخر سنة من التكوين في الخارج الشيء الذي سيشجع هجرة الأدمغة التي تعتبر نزيفا خطيرا للكفاءات التي تحتاجها البلاد.
بناء على ما سبق، فإن المجلس الوطني، إذ يحيي عاليا نضالات الرفيقات والرفاق بالفروع عبر ربوع الوطن ويثمن المجهودات النضالية للرفيقة الأمينة العامة ولأعضاء وعضوات المجالس الترابية والتقدم في التحضير الأدبي والمادي للمؤتمر الوطني الخامس للحزب وكذا النضالات والمقاومة الشعبية للديناميات المواطنة وكافة مكونات الحراك الشعبي المغربي، فإنه:
يدعو الرفيقات والرفاق وعموم الفعاليات الديمقراطية اليسارية إلى ضرورة الانخراط في النضال الديمقراطي الشعبي السلمي وطنيا وجهويا ومناطقيا وإقليميا بكل أشكاله وأبعاده وبأفق عالمي من أجل عولمة بديلة عادلة على أساس منظومة قيم ديمقراطية تحترم إنسانية الإنسان وتحمي الطبيعة والبيئة، عولمة بديلة عن النموذج النيوليرالي المتوحش بديلة عن نمط التغريب والاستنساخ والاستلاب، تجعل التقدم والتطور في مجال التقني والمواصلاتي والانتقال الرقمي والبيئي عادلا في خدمة ساكنة الكوكب الأرضي.
يستهجن ربط التطبيع مع الكيان الصهيوني بالقضية الوطنية وينبه إلى خطورة الاختراق الصهيوني لبلادنا عبر “الاتفاقية الإبراهيمية”، المرفوضة شعبيا، والتي تستغل من أجل عزل القضية العادلة للشعب الفلسطيني عن محيطها وتصفيتها، كما يرفض الاتفاقيات الاقتصادية و العسكرية مع الكيان الصهيوني الغاشم ويرفض تنظيم مؤتمر النقب 2 بالمغرب ويطالب الدولة بوقف التطبيع، ودعم الشعب الفلسطيني الذي يعاني من تواصل الهجمات والاستيطان والاعتداءات والجرائم الصهيونية، كما يدعو لاستمرار النضال الشعبي من أجل إغلاق مكتب الاتصال و إلغاء كلّ أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني و الإبداع في أشكال الدعم للشعب الفلسطيني كي يستعيد كامل حقوقه التاريخية.
يدعو إلى النضال والضغط الاجتماعي الشعبي السياسي والفكري من أجل فرض تعاقد وطني جديد بين الدولة والمجتمع بمثابة ميثاق وطني يجيب على تطور الحركة الاجتماعية النوعية وعلى الحاجة الحضارية لوطن بوطنية متجددة حاضنة وجامعة لكل المغاربة بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه، تعاقد جديد واعي يراعي حقوق المواطنة وحقوق وحريات الإنسان والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات ويضمن فصلا حقيقيا للسلط ويرسخ سمو الشرعية الشعبية.
يعتبر استفحال الفساد، حليف الاستبداد والتسلط، بشتى ألوانه وأنواعه بشريان جل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والادارية بالمغرب والوقع السلبي لذلك على الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية العامة بالبلد، وما يسببه ذلك من عرقلة لمسار التنمية والديمقراطية ببلادنا، يجعل مهمة محاربته ضمن أولويات الحزب ويثمن دعوة المكتب السياسي بهذا الشأن ويدعو إلى أجرأتها.
يعتبر أن حل النزاع حول الصحراء المغربية يتطلب الحوار بين المغرب والجزائر والعمل على تلطيف الأجواء والابتعاد عن الحرب الإعلامية المفتعلة تمهيدا لتطبيع العلاقات بين البلدين الشقيقين، كما يكمن الحل في إطار بناء تكتل اقتصادي جامع للدول المغاربية لحمته التاريخ والثقافة واللغة المشتركة من جهة، وفي دمقرطة أنظمتها السياسية من جهة أخرى.
يجدد التأكيد على أن بلادنا بحاجة إلى إحداث قطائع مع الاختيارات التي فاقمت الأزمة المركبة التي تعرفها بلادنا وإلى توفير شروط حقيقية لانفتاح سياسي مدخله الأساس إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين معتقلي حرية الرأي والتعبير ومعتقلي الحراك الشعبي المغربي وعلى رأسهم قيادة حراك الريف وفتح ورش المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة، وإيقاف المضايقات والمتابعات وإسقاط الأحكام عن المناضلات والمناضلين في الجامعات وعن الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد وإطلاق سراح الرفيق ميلود الحدادي وكافة المعتقلين التسع بالصخيرات ورفع اليد عن رفاقنا المتابعين ظلما على أساس تهم جاهزة وشكايات كيدية بكل من وادي زم وبنسليمان وغيرها.
يعلن المجلس الوطني عن تضامنه المبدئي مع المواطنين ضحايا التفويت الجائر ومصادرة الأراضي بكل ربوع الوطن و يحيي المقاومة المواطناتية ل”تنسيقيات أكال المناضلة من أجل الحق في الأرض والثروة” وتنسيقيات جهة كلميم وتنسيقية الوديان الثلاثة واد نون الساقية الحمراء وواد الذهب وكافة النضالات السلمية المطالبة بحقها المشروع في الانتفاع بالأراضي السلالية وفي ملكية أراضي قبيلة كيش الاوداية بالرباط وتمارة ومدخراتها المالية.
يجدد الاستمرار والالتزام بخطه السياسي الذي يكثفه شعار المؤتمر الرابع “دعم النضالات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية” بدعمه المبدئي اللامشروط لكافة النضالات المجتمعية السلمية ويدعو إلى الإجتهاد في هذا المسعى بمزيد من الانخراط والالتحام مع الحراك الشعبي المغربي وإنضاج مطالبه العادلة والحشد الشعبي له باعتباره التربة الخصبة لتقوية النضالات الشعبية بهدف التغيير الديمقراطي الشامل.
يقرر المجلس الوطني الابقاء على دورته مفتوحة، ويعلن عن تنظيم المؤتمر الوطني الخامس للحزب الاشتراكي الموحد أيام 20 و21 و22 أكتوبر 2023 بالمركب الرياضي مولاي رشيد ببوزنيقة.