تحت شعار : “لا بديل عن النضال الوحدوي والمستر للقضاء على جميع اشكال العنف ضد النساء وضمان كرامتهن”، تحيي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى جانب أمم وشعوب العالم اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يحل يوم 25 نونبر من كل سنة، والذي يتزامن هذا العام مع الذكرى 61 لاستشهاد الأخوات الثلاثة باترييا و مينيرفا وماريا تيريزا ميرابال، من جمهورية الدومينيك يوم 25 نونبر خلال حملة قمع واسعة شنها نظام تروجيليو في نهاية خمسينيات ومطلع ستينيات القرن الماضي؛ وقد دأبت الحركة النسائية العالمية وفي مقدمتها المنظمات النسائية في أمريكا اللاتينية وجزر الكاراييب، منذ عام 1981، على إحياء هذا اليوم تخليدا لذكرى شهيدات 25 نونبر، قبل أن تعتمده هيئة الأمم المتحدة يوما عالميا للقضاء على العنف بقرار رقم 134-54الصادر يوم 14 دجنبر 1999 وبعد إصدار إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة بموجب قرارها 48/104 المؤرخ في 20 ديسمبر 1993.
ويحل اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة هذا العام في ظل سياق دولي وإقليمي ومحلي، يتسم بغياب شروط ملاءمة للتقدم في تحقيق أهداف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ولا يمكن من تحقيق التنمية والديمقراطية الضامنة لحقوق الشعوب وحقوق الإنسان و ضمنها الحق في المساواة بين الجنسين، والتي تعتبر شرطا للتقدم نحو القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة.
وعلى المستوى الدولي و الجهوي، فإن نظام العولمة اللبرالية والهيمنة الأمبريالية على العالم يتسعان ويتعمقان، من خلال استمرار التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب و مصادرة حقها في السيادة و حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي و الاقتصادي والثقافي عبر الحروب العدوانية والحصار والعقوبات الاقتصادية التي تستهدف التحكم وتطويع الاختيارات السياسية والاقتصادية لشعوب العالم ما يوفر المناخ الملائم لاستدامة مختلف مظاهر العنف ضد المرأة. ويطرح تحديات كبرى أمام النضال من أجل القضاء على العنف المبني على النوع بمقاربة شمولية وعلى كافة المستويات، ويسائل الاستراتيجيات المتعددة التي توضع لهذا الغرض في العديد من البلدان دون أن تتمكن من تحقيقه ؛
والمغرب، كجزء من دول العالم، ليس بمنأى عن المخاطر التي تشهدها المنطقة التي كانت انعكاساتها السلبية قوية على حالة حقوق الإنسان بالمغرب، وضمنها حقوق النساء حيث استغلت السلطة تراجع أوضاع الحقوق والحريات في بلدان المنطقة لتنظم هجوما كاسحا على المكتسبات الحقوقية وتتنكر لأبسط التزاماتها في هذا المجال.
فالسياق العام الداخلي الذي يحل فيه اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة يتسم بالهجوم الممنهج على مكتسبات الشعب المغربي وبتصعيد الهجوم على الحقوق والحريات العامة والحريات الفردية، ويتسع فيه عنف الدولة المنظم على كافة الأصعدة، وهو ما كانت وطأته أشد على وضعية النساء جراء التمييز ضدهن.
إلا أن هذا لم يمنع من تبوء النساء مواقع بارزة في النضالات الجماهيرية ضد هذه التراجعات، خاصة تلك التي مست الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. إذ سجل انخراط النساء بقوة في معظم الحركات الاحتجاجية التي تشهدها عدد من المدن والقرى، وتتصدر بعضها من أجل مطالب تهم عموم المواطنين والمواطنات من مثل الحق في الماء والحق في الأرض والسكن اللائق ومن أجل فك العزلة عن مناطقهن والحق في التنمية، والتي ستذوق بسببها النساء، طعم القمع والتنكيل والاعتقال؛ وبينما تناضل النساء ضد عنف سياسات التفقير والتهميش، تواجهن بعنف سياسات القمع والمنع والحصار، وهو ما يتناقض تماما مع تضخم الخطاب الرسمي حول مكافحة العنف ضد المرأة، تناقضا تؤكده كل المؤشرات التي لا زالت تدل على غياب إرادة حقيقية لدى الدولة المغربية في القضاء على العنف ضد المرأة، ومن ضمنها الأرقام المهولة لحالات العنف ضد النساء التي تكشف عنها الدراسات ومراكز استقبال النساء ضحايا العنف التي تسيرها الجمعيات النسائية. فلازالت ثقافة التمييز، كعنف في حد ذاته، هي الجوهر الذي تنبني حوله الترسانة القانونية الحالية، ويطبع مجمل السياسات العمومية في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، والتي تمتد تأثيراتها إلى العلاقات الأسرية وفي المجتمع عموما. ويتجلى ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، في ما يلي :
• الإبقاء على التحفظات والإعلانات بشأن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بدعوى الخصوصية والدستور، مما يشكل اعترافا أن أسمى قانون للبلاد لا يوفر مرجعا لبلورة سياسة تشريعية لفائدة المساواة ومناهضة التمييز والعنف ضدهن، مما يتطلب تغييره بما يتلاءم مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان الضامنة للحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين ؛
• ضعف الحماية القانونية للنساء من العنف، فالقانون الجنائي في صيغته الحالية لا يوفر الآليات الكفيلة لحماية النساء من العنف، و تغييب مفهوم العنف الموجه للمرأة ككيان مستقل ، مما يشكل مسا بالكرامة الإنسانية للمرأة؛
• فيما جاء قانون مكافحة العنف ضد المرأة محكوما بنظرة اختزالية ومظللة لمفهوم العنف واعتماد المقاربة الزجرية وتهميش أليات الحماية والتكفل و تغييب المرجعية الحقوقية لفائدة الخصوصية والهوية الثقافية و الدينية ،
• في مجال السياسات العمومية، الدولة المغربية ماضية بإصرار نحو المزيد من التبعية والخضوع لمراكز الرأسمال العالمي في اختياراتها الاقتصادية الكبرى، من نتائجها الإجهاز على ما تبقى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما يغذي كل العوامل المولدة للعنف الاقتصادي والاجتماعي اتجاه النساء ، من تجلياته :
– الاستغلال المفرط لليد العاملة النسائية في المؤسسات الشغلية، و التحرش الجنسي في أماكن العمل
– اتساع دائرة الفقر والعطالة وسط النساء نتيجة التسريح الجماعي وإغلاق المؤسسات الشغلية سواء في القطاع الصناعي أو الفلاحي؛
– تواتر حالات الوضع للنساء الحوامل على قارعة الطريق أوفي بهو المستشفيات وتعرض العديد منهن لمخاطر وفيات الأمومة أو المواليد، بسبب الحرمان من حق الولوج للمؤسسات العلاجية
– ارتفاع حالات العنف الجنسي بما فيه الاغتصاب، والزواج القسري، والعنف الزوجي الذي أدى في عدد من الحالات إلى انتهاك الحق في الحياة.
– تزايد ظاهرة اغتصاب القاصرات وغياب أحكام قضائية منصفة لصالح الضحايا.
بناء على ما سبق ، فإن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، إذ يحيي المجهودات المبذولة من طرف القوى الديمقراطية النسائية والحقوقية والسياسية والنقابية، المناضلة من أجل إقرار كافة حقوق المرأة وعلى رأسها الحق في الكرامة الإنسانية كشرط ملازم للقضاء على العنف ضد المرأة، يؤكد على أن أي مشروع يستهدف مكافحة العنف ضد المرأة يقتضي اعتماد مقاربة شمولية عند وضعه، ينبني على مناهضة مختلف العوامل المترابطة والمنتجة والمكرسة للعنف ضد المرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني السياسي، على قاعدة الملاءمة مع القيم الكونية ومبدإ الشمولية لحقوق الإنسان بما يحقق المساواة في كل المجالات بدون أي قيد أو شرط ، بدءا بإقرار دستور ديمقراطي يؤسس لدولة الحق والقانون،ويقر بسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية دون شروط تقيده، و يضمن المساواة القانونية بين المرأة و الرجل ويحمي ممارستها على أرض الواقع، وينص صراحة على ضمان الدولة لحق التمتع بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وعلى حمايتها، ويذكر مجددا بمطالبه الأساسية في هذا المجال :
• الرفع العملي لكافة صيغ التحفظ على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة؛
• التنصيص دستوريا على المساواة بين الجنسين في الحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية وعلى سمو المواثيق الدولية على القوانين الداخلية للبلاد بدون أي قيد أو شرط ؛
• مراجعة شاملة لمشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة يعتمد المقاربة الشمولية للعنف الممارس ضد المرأة في كافة المجالات؛
• تغيير جدري و شامل للتشريع الجنائي بما يضمن الكرامة الإنسانية للمرأة و يحميها من التمييز والعنف ؛
• محاربة ثقافة التمييز في البرامج و المقررات التعليمية و في المادة الإعلامية ؛
• المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية 190 حول الحماية من العنف في أمكان العمل وإعمال التوصية المرتبطة بها، وملاءمة القوانين ذات الصلة معها؛
كما يعلن المكتب المركزي للجمعية دعمه لنضال نساء فلسطين كجزء من الشعب الفلسطيني في مقاوتهن لعنف الاحتلال والاستيطان الصهيوني ؛ ويحيي عاليا كل نساء العالم وشعوبه المناهضة لنظام الهيمنة الاقتصادية النيوليبيرالية، والعدوان الامبريالي والعسكرة، كشكل من أشكال العنف المنظم على المستوى الدولي.