حاميد اليوسفي
استمعت إلى الشريط الذي فسر فيه السيد الوزير السبب الذي جعله يستعمل تعبير معرفته بلون الجوارب ، وشرح ماذا يقصد بهذا المجاز . وقرأت تصريحا للموظف المعني بالأمر ، وهو تصريح لم يقل فيه شيئا سوى أن الوزير حر في أن يقول ما يشاء .
هنا سأتوقف قليلا ، وأعود إلى حادث مشابه تقريبا ، لكنه مختلف ، وفي زمن سياسي مغاير . وقد وقع أيضا بين نائب ووزير ، وكلاهما يعمل بقطاع التعليم ، لكنهما ينتميان معا إلى اليسار .
لا أتذكر تاريخ الحدث بالضبط ، لكنه وقع في عهد حكومة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي قريبا من بداية الألفية الثالثة . وحسب مصادر موثوقة شاهدة على الحدث ، أن المناسبة كانت انعقاد المجلس الإداري لأكاديمية جهة عبدة دكالة بمدينة آسفي . وقد توقف وزير التعليم الثانوي* في منتصف النهار بجماعة سيدي إسماعيل ، وبعد تناوله لوجبة غذاء في مقهى بالمحطة رفقة المفتش العام ، قررا زيارة الإعدادية والثانوية التي لم تنفصل عنها بعد ، وستسمى بثانوية الجرف الأصفر. وقد تزامن ذلك مع اقتراب نهاية الموسم الدراسي ، ومع يوم السبت . وجد الوزير الباب مفتوحا ، ودخل إلى المؤسسة ، لكنه لم يعثر على أي موظف . ذهب إلى القسم الداخلي رفقة مساعد تقني عين مؤخرا بالثانوية وجده نائما بالقرب من سلالم الطابق الثاني من القاعات الخاصة بالتعليم الثانوي التأهيلي ، لكنهم وجدوا الباب مغلقا ، فعادوا أدراجهم .
أثناء إلقاء الوزير لكلمة في المجلس الإداري تطرق إلى ما حدث معه في جماعة اسماعيل ، وقال بأنه لو توفر على شاحنة لنقل معه الطاولات والكراسي إلى مدينة آسفي بعد أن وجد الإعدادية خاوية على عروشها ومترعة الأبواب ، وهو يوجه كلامه للنائب ، ويقرعه بطريقة غير مباشرة أمام الحاضرين . وقد كان بينهما حسابات سياسية بعد انشقاق الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن منظمة العمل .
يوم الاثنين توصل النائب بمراسلة عاجلة من الوزارة تطلب منه إرسال تقرير حول الإجراءات التي اتخذها في حق الموظفين الذين لم يكونوا مساء اليوم السبت بمقر عملهم .
النائب اتصل بمدير الإعدادية ، وكان عضوا بالكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي ، والمكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم ، ومعتقل سياسي سابق . أخبره بالحادث ، فأكد له بأنه كان متواجدا في ذلك الوقت بقاعة الإعلاميات رفقة مجموعة من الأساتذة لوضع النقط في الدفاتر الخاصة بها ، وجمع المعدلات . فبعث له لجنة من النيابة أجرت تحقيقا في الموضوع . وقد أدلى فيه المدير والأساتذة الذين كانوا حاضرين بشهاداتهم ، وأصر المدير على إضافة عبارة للتقرير فيها شيء من الدهاء السياسي في رد الإهانة ملخصها إما إن ساعة الوزير محققة على ساعة اسبانيا ، وكان الوزير قد زار هذه الدولة منذ أيام قليلة ، أو أنه جاء بالفعل في الوقت الذي أشار إليه ، لكن قاعة الإعلاميات بعيدة عن الباب ، وفي عمق الركن الأيمن للمؤسسة ، ومقابلة لجناح من القاعات ، ولا تنظر نوافذها إلى الساحة ، وبالتالي لا يمكن لمن يتواجد بالقاعة رؤية من يدخل أو يخرج من المؤسسة . وقد رفع النائب تقريرا إلى الوزارة ضمنه نتائج التحقيق . بعدها طوي الموضوع .
وكان هذا التقرير حسب علمي أول تقرير يحفظ لنائب كرامته أمام وزير ، وبناء على شهادة مدير المؤسسة وموظفيها .
فرق كبير بين الأمس واليوم ، وبين حكومة وحكومة ؟!
الهامش :
*في هذه الفترة دبر قطاع التعليم وزيران أحدهما مكلف بتسيير التعليم الثانوي التأهيلي .