يوسف الطالبي
جرت يوم الخميس 21 / 7 / 2022، الانتخابات التشريعية الجزئية بالدوائر الأربعة بمدينة الحسيمة. ومعلوم أن المحكمة الدستورية كانت قد قررت إلغاء نتائج الانتخابات العادية بالدوائر المذكورة مستجيبة لطلب الطعن الذي تقدم به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. و جاءت نتائج الانتخابات الجزئية مطابقة للنتائج الملغاة، باستثناء فشل مرشح الحركة الشعبية وتعويضه بالمرشح الاتحادي، ليكون الخارج والداخل من نفس العيار، أي من حزبين قيد التحلل، بل أكثر من ذلك جاءت مكرسة لنفس الترتيب العام الذي أعلن عنه سابقا، حيث تصدرت الاحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية الحكومية بنفس الترتيب، التجمع الوطني للأحرار ، يليه حزب الأصالة والمعاصرة، ثم حزب الاستقلا
وقد جرت الانتخابات في جو محموم على المستوى الاجتماعي، من جهة بسبب موجة غلاء غير مسبوقة يكتوي بها المواطن المغربي، أصابت قدرته الشرائية في مقتل، حيث تعرف أسعار المواد الأساسية في الاستهلاك الشعبي ارتفاعا قياسيا، على رأسها المحروقات، ومن جهة أخرى انقشعت سحب الوعود الكاذبة التي قدمتها أحزاب الأغلبية الحكومية على مدى سنة قبل الانتخابات، والتي لم تكن واقعية ولا مبنية على معطيات إحصائية ذات مصداقية، فكان شعار الحزب في الانتخابات “تستاهل ما احسن” وحديث شخص تتركز فيه صفات البرجوازية الاحتكارية عن الدولة الاجتماعية نكتة حقيقية، فقد التزم عزيز أخنوش أمام الناخبين بإحداث مليوني منصب شغل، ووعد الطالبي العالمي رجال التعليم بزيادة تصل إلى 2500 درهم، ومنى نزار بركة الأساتذة بوضع حد للتعاقد وترسيمهم، المطلع على حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الى أبسط حد، كان يعرف أن تلك الوعود في ظل ظروف تأكل المديونية فيها 90٪ من الناتج الوطني إنما كانت لاستمالة الناخبين لرفع نسبة المشاركة ودق مسمار في نعش العدالة والتنمية.
وتعمق الإحباط لدى المواطن المغربي، وهو يتابع أداء الحكومة على مدى تسعة أشهر، وتأكد له باليقين أن لا أمل مع هذه التشكيلة في التحسين من جودة الحياة التي يحياها، خوف تعزز بتعمق مظاهر الدولة البوليسية، وتراجع الحريات، وارتفاع منسوب التوقيفات والمحاكمات بسبب الرأي، واستمرار اعتقال الصحفيين بتهم ملفقة.
ويؤكد هاشتاك المرحلة ( #أخنوش ارحل) مشاعر الاستياء وعدم الرضى لدى المواطن المغربي، حتى أن رئيس الحكومة بدأ يتجنب الظهور في التجمعات الشعبية كنهائي كاس إفريقيا لكرة القدم سيدات، حتى لا يتكرر السيناريو المحرج الذي عاشه خلال مراسيم افتتاح مهرجان تيميتار حيث اضطر للانسحاب تحت الحماية وصفير المتجمهرين المطالبين برحيله.
في ظل توصيف كهذا، لماذا لم تترجم الانتخابات التشريعية الجزئية هذا الغضب الشعبي وبوأت التحالف الحكومي الأغلبي المراكز الاولى وبنفس ترتيب الدورة العادية الملغاة نتائجها ؟
بصرف النظر عن الأرقام التي لا يمكن الاطمئنان إليها في ظل إشراف وزارة الداخلية، العلبة السوداء للمخزن والاستبداد، على العملية الانتخابية، يمكن اعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية بالحسيمة هي الاحتمال الوحيد الممكن المتاح أمام الناخبين، وذلك أخذا بعين الاعتبار درجة الإغلاق التي أوصل إليها المخزن المشهد السياسي، حتى لم تعد لها أية علاقة بالديناميات والتحولات المتفاعلة داخل المجتمع. فبعد القضاء على الحركة الوطنية، وخصوصا فصيلها الاتحادي، في مسلسل امتد منذ 1965 حتى 1998 تاريخ تنصيب حكومة التناوب، والذي راوحت حلقاته بين القمع والإرشاء وقطع الأرزاق، توج بإدماجها في الحكم لتخرج منه جثة متعفنة. بالموازاة مع التعامل مع الحركة الاتحادية بمنطق العصا والجزرة، واجه النظام الفصائل اليسارية الرافضة للمشاركة بالقمع الشرس، حيث قضت رموزه أعمارا داخل السجون، ولاد المئات منهم بالمنافي، ولا زال مصير ٱخرين مجهولا الى اليوم.
وظل الاسلاميون يقدمون الاحتمال الآخر الممكن بعد الإجهاز على اليسار، ممثلين في فصيلين العدالة والتنمية والتي سلك معها نفس النهج الذي سلكه مع الفصيل اليساري الاتحادي المشارك، بحيث استدرج البيجيدي الى المشاركة في الحكومة وصنع منه زنا قفز بها على مخاطر الربيع العربي عليه، ومرر على يده مشاريعه الاكثر تصفوية، في حين لازال يخنق جماعة العدل والإحسان كما فعل مع تنظيمات اليسار الجديد، بالقمع وإغلاق مسالك الترقي المهني والاجتماعي وتشميع البيوت.
في ظل وضع كهذا، ما هي الاختيارات يا ترى أمام الناخب وهو يتوجه إلى مراكز التصويت؟ هل هو يسار جزء منه جثة متعفنة وجزء لا زال يعاني ٱثار الضربات القمعية إن على المستوى الجماعي أو الفردي ولعل نتائج المؤتمر الوطني الخامس للنهج الديمقراطي لخير دليل على عمق أزمة هذا اليسار، يسار يعيش أزمة مشروع حقيقية وعميقة بعد تسرب اليأس إلى خيار الإشتراكية على ضوء التطورات الدولية؟ أم إسلاميون أتبثوا أن رصيدهم لا يعدو أن يكون منظومة أخلاق وقيم شفهية انفضحت هشاشتها أمام إغراءات الحكم وذبحت قرابين عند أقدام الرغبة والشهوة؟ أم هي الاحزاب الإدارية التي تهاوت مع رحيل ادريس البصري ولم يبق منها إلا شبحه ؟
لقد عملت الآلة الإعلامية الايديولوجية المخزنية، بالموازاة مع مخطط إغلاق المشهد السياسي، على صناعة رأي عام سطحي لا يتجاوز وعيه وأسئلته حدود ما يقدمه له الاعلام الرسمي، مما أنتج أجيالا تكرر خطابه وتتبنى أطروحاته، ويقدم لنا التجييش الرسمي للمواطنين ضد الجزائر، ودفاعه عن التطبيع مع الكيان الصهيوني مثالا صارخا على دور الدعاية المخزنية على وعي الناس. هذه الدعاية التي لم تتوقف عن إظهار عزيز أخنوش بصورة صديق الملك محمد السادس.
ونحن نجهد النفس لمحاولة فهم نتائج الانتخابات الجزئية بالحسيمة وعدم ترجمتها لمشاعر الغضب الشعبي، لا يجب أن يغيب عن فكرنا معطيان أساسيان، الأول أن المشاركة لم تصل 20 ٪، فقد “صرحت” وزارة الداخلية أن النسبة كانت 29٪ لكن هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار غير المسجلين والأوراق الملغاة، لتكون النسبة أدنى من ذلك بكثير. وبالتالي فإن ذلك” المايزيد” عن 80 ٪ يكون علامة دالة وموقف مقاطعة ليس اعتباطيا، والمعطى الثاني انعدام اختيارات أخرى للأسباب التي ذكرنا سالفا.
ولزم التذكير أيضا في سياق تفسير النتائج، بالمعلومات التي نشرها الفيسبوك والانستغرام ويوتوب عن المبالغ المحصلة من زبنائها مقابل الدعاية التي قامت بها لفائدتهم، وعند قراءتها نجد نفس الترتيب في النتائج، إذ صرف التجمع الوطني للأحرار ما يناهز أربعين مليون سنتيم لشبكة الفيسبوك فيما كانت فاتورة الأصالة والمعاصرة تسعة عشرة مليون سنتيما واكتفى حزب الاستقلال بتسعة ملايين سنتيما، وهو ما يلقي الضوء على دور الدعاية الرقمية ودورها في تحديد النتائج كجزء من السياسة الدعائية الممنهجة الهادفة إلى صناعة الرأي.