آخر الأخبار

تاج محل .. قصة حب من الزمن القديم – 1 –

*عبد الله العلوي

تذكر دائما من عجائب الدنيا السبع، الأهرام، برج بيزا، منارة الإسكندرية، البساتين المعلقة، المسرح الروماني وتاج محل، وإذا اختلف المرء في هذه العجائب فهو لن يختلف في أن تاج محل ضمنها دائما، والأجمل أن تاج محل هو الباقي ضمن هذه العجائب بشكل كامل. وهو آخر ماشيد في هذه العجائب، وأجملها أيضا أن بناءه كان وليد قصة حب بين الأميرة ارجمند والأمير كورام. وقد أصبح اسمها فيما بعد أرجمند: ممتاز وأصبح كورام، شاه جاهان (ملك الدنيا) بعد أن كان خُرّم (=المُفرح)، ونعود للبداية:

في 5 يناير 1592 ولد الأمير المغولي المسلم سليم ابن الإمبراطور محمد جلال الدين أكبر 1556-1605 وليد اسماه جده هذا: كورام أو خرم وكان ميلاد الصغير مدعاة لفرح الجد الذي عاش الوليد معه دون أبيه. وقد مات السلطان أكبر في 1605، وعمر كورام 13 سنة فقط، وتولى الملك والده محمد سليم أو نور الدين جهانجير (صاحب الدنيا) 1605-1627. وعندما توفي جهانجير وقع صراع على العرش أو الملك بين أولاده خصوصا بين شهريار وخرم وانتصر فريق خرم بمساعدة صهره والد ارجمند المسمى اصف خان، وتولى خُرم الملك رسميا تحت اسم محمد شهاب الدين في 1628.

اللقاء والزواج:

التقى الأمير خورم مع ارجمند في إحدى بزارات الأسواق، التي تنظم داخل القصر الملكي في سنة 1612، وكانت ارجمند “تبيع” في أحد الدكاكين مرايا وغيرها، وجاء الأمير ليسأل عن ثمن إحدى المرايا فطلبت ارجمند ضاحكة مبلغ عشرة آلاف روبية، بينما السومة الحقيقية للمرأة لا تتجاوز روبية أو روبيتين، وأدى الأمير المفتون المبلغ المطلوب، وطلب من والده أن يزوجه ارجمند (الجديرة) وكان عمره 20 سنة، وارجمند أيضا كانت في نفس السن 20 ربيعا، وكان العرس الذي أقامه السلطان جهانجير أحد أضخم الأعراس التي أقيمت في تاريخ الأعراس الملكية الهندية وذلك في عام 1612، ولم تكن هي زوجته الأولى، فقد كانت له زوجة أنجبت له ولدا واحدا، إلا أن التاريخ تجاهل هذه الزوجة وابنها كذلك. فالتاريخ في هذه المرحلة لم يتكلم سوى عن ارجمند وأبنائها فقط، وشاه جاهان، بعكس والده “جهانجير” لم يترك مذكرات كما أن التاريخ لم يتكلم كثيرا عن شخصيته باستثناء الأسبوع الأول لوفاة زوجته “ممتاز” وحريق ابنته “جهانارا” فيما بعد فقد تحدث المؤرخون عن الحزن العميق بعد وفاة الزوجة المحبوبة وبياض شعر رأس الإمبراطور وكآبته الطويلة، واعتكافه الطويل بعد احتراق الابنة التي رفضت الزواج وتكلفت برعاية إخوتها، وذلك بعد وفاة والدتها وكان عمرها 16 سنة، وهكذا التاريخ فالأميرة زفت في عرس أسطوري وعمرها 20 سنة، والابنة “ترهبت” بعد وفاة الوالدة وعمرها 16 سنة، وكانت هذه الأميرة هي التي رافقت والدها “شاه جاهان” في سجنه طوال 8 سنوات حتى وفاته وهو في محبسه بعد عزله عن العرش من طرف ابنه “اورانجزيب” (1657-1707) أحد أهم السلاطين المسلمين واسمه (محمد محيي الدين) في تاريخ الهند.

شـــاه جـــاهـــان:

يعتبر شاه جاهان من أهم أباطرة المغول المسلمين الذين حكموا الهند. وكانت المرحلة التي تولى فيها السلطة إحدى المراحل القليلة ذات السلام النسبي داخل الإمبراطورية المترامية الأطراف، الشيء الذي سمح له ببناء أثرين خالدين، تاج محل في أغرا، والمسجد الجامع في دلهي، بل إنه هو الذي يرجع له الفضل في بناء دلهي الحالية والتي أصبحت نيودلهي بعد استعمار الإنجليز لها في 1857، إذ أن دلهي الأصلية تبعد عن دلهي الحالية بحوالي 15 كلم، وهي مجرد خرائب حاليا، وكان شاه جاهان عسكريا، وزوجته الثانية ارجمند التي أمر بتشييد تاج محل لأجلها هي نجلة آصيف خان شقيق نور جاهان، وكانا قد قدما إلى الهند من فارس مع والديهما، وتزوجت نور جيهان الأمير الذي أصبح السلطان جهنكير والد شاه جاهان، بينما تزوج الأمير (السلطان فيما بعد) شاه جاهان ارجمند ابنة اصيف خان. وعندما توفي جهانكير وقام صراع بين الجناحين، جناح كورام وجناح شهريار، وعلى رأس الجناحين أرملة الإمبراطور جهانكير نور جيهان التي كان شهريار زوج ابنتها، وبين شقيقها (شقيق نور جيهان) اصيف خان (أو الأمير أبو الحسن غيات الدين). وكان من كبار رجالات الدولة. وقد توفي سنة 1641 وهو رئيس لوزراء صهره شاه جاهان، ودفن في مدينة لاهور في باكستان حاليا، إلا أن جناح اصيف خان هو الذي انتصر واعتقلت نور جيهان وصهرها شهريار شقيق شاه جاهان، وتولى هذا الأخير حكم الإمبراطورية التي كانت قد بدأت بوادر فنائها مع تواجد البرتغال والانجليز في بعض مناطقها، ورغم هذه المرحلة الصعبة فإن شاه جاهان كان أحد البنائين الكبار في تاريخ الهند الإسلامي.

*باحث