آخر الأخبار

تاج محل…قصة حب من الزمن القديم – 2 –

عبد الله العلوي 

ولم يكن تاج محل المعمار الوحيد الذي شيد شاه جاهان، وإنما أهمية هذا البناء تأتي لكونه أجملها على الإطلاق والهدف من بنائه أن يكون ضريحا لزوجته التي توفيت بسبب مرض لها، وفي قصة أخرى بسبب آلام الولادة بعد ولادتها الابن 14، إلا أن ارجمند كما يؤكد المؤرخون الهنود خلفت 7 أبناء فقط 3 بنات و4 أولاد منهم سلطان الهند فيما بعد “اورانجزيب” أو محي الدين محمد، وكان شديد التدين والزهد.

 

أما عن البناءات التي أمر ببنائها شاه جاهان ، فهناك المسجد الجامع أحد أكبر المساجد في العالم واستغرق بناءه 6 سنوات، ويوجد بمدينة دلهي وتقام فيه أيضا الصلوات الخمس إلى الآن ويحج إليه كل من يزور دلهي، وقام أيضا بإكمال بناء القلعة الحمراء وهي من أجمل القلاع وكانت أصلا قصرا لإقامة السلطان والحاشية وهي الآن مكان للحفلات الرسمية حيث تقام فيها حفلات عيد الاستقلال وعيد الجمهورية، أما تاج محل، فقد كان آخر بناء كبير أمر بتشييده شاه جاهان، فبعد وفاة ارجمند في 1630، وكانت وفاتها أثناء حملة ملكية في جنوب الهند وتم دفنها في البداية بمدينة “زين اباد” أولا، وبعد مرور ستة أشهر نقل جثمانها إلى مدينة “اكبر باد” وعلى قبرها تم تشييد تاج محل، والذي استغرق بناءه 22 عاما، واشتغل عليه 20 ألف عامل مع مهندسين من مختلف الأنحاء خصوصا من تركيا وإيران وعلى رأسهم الأستاذ عيسى. والأستاذ عيسى هذا هو الذي أشرف على البناء واختار العمال والفنيين المهرة الذين جاؤوا من إيران وتركيا وأيضا من الهند، والذين بقي أبناؤهم حتى الآن يرممون هذا الأثر الخالد. ولانعرف الكثير عن عيسى هذا سوى أنه مهندس مسلم كلفه الإمبراطور بالإشراف على تشييد هذه التحفة التي كلفت ملايين بحساب ذلك الزمن وبلايين بحساب هذا الزمن. والبناء في الزمن القديم لم يكن الهدف منه التشييد فقط في حد ذاته، أو أحد الأسباب الشخصية للإمبراطور أو الأمير، بل كان أيضا يهدف إلى التشغيل خصوصا في ظروف الكساد والجفاف، وكان البناء أحد أهم الأشغال الكبرى الاقتصادية كما هو معروف، وبالتالي كان يستقطب آلاف العمال المهرة وغير المهرة زيادة على المهندسين والفنيين، بالإضافة إلى الحياة الاجتماعية التي تقوم حول البناء من مساكن ومطاعم وصناعات صغيرة لتزويد البناء بتجهيزاته وعماله باحتياجاتهم. وبذلك يتحول البناء إلى مجمع حياة متكامل خصوصا إذا استغرق البناء مدة طويلة كما هو الحال في تاج محل الذي بالإضافة إلى الصناع المهرة والمنتجين الصغار والمطاعم الصغيرة والمدينة -اكبر اباد– التي بدأت تكبر بفضل الضريح الذي لا مثيل له، وكانت بعض الاحتياجات تأتي من الخارج خصوصا الرخام الذي كان يستورد جزئيا ويُروى أنه كان يجلب من ولاية راجستان المجاورة.

 

البناء والقبران:

تقع مدينة “اغرا” على بعد 170 كلم من نيودلهي العاصمة، وهي التي كانت تسمى “اكبر اباد” لأن فيها يقع ضريح السلطان اكبر، والبعض يسميها مدينة تاج محل، والمدينة المشهورة بالصناعات التقليدية وبصناعة الطائرات الورقية.

وما إن تدخل إلى تاج محل الواقع على نهر “جامونا” حتى تفاجأ بالبوابة الخارجية المكسوة بالمرمر، وقد كتبت عليها سورة الفجر كاملة، ويتصاعد بصرك مع الأحرف العربية وتجد أنها في كل سطر كتبت أكبر من السطر الذي تحته حتى يقرأ الداخل السورة القرآنية كاملة، وفي الداخل مسجد صغير للصلاة نقش كله بآيات القرآن الكريم، وهناك قبة ضخمة أعلى المبنى وأربع صوامع مستوية في جوانبه، بالإضافة إلى الجدران المكسوة بنقوش بديعة. ويقع الضريح كله وسط حديقة مترامية الأطراف إضافة إلى نافورات تزين المكان وكانت في الزمن القديم تفور بالماء المعطر.

أما المقبرة فتقع في الداخل، وكل شيء في الضريح مبني على شكل متوازي ومتساوي لدرجة عالية التقنية إلا قبري شاه جاهان و ارجمند، فشاهد قبر شاه جاهان أعلى قليلا من شاهد قبر ارجمند أو ممتاز، وعلى قبرهما كتبت أسماء الله الحسنى “وكل نفس ذائقة الموت” الآية، وتاريخ وفاة كل منهما حسب التقويم الهجري، والقبران الحقيقيان يوجدان في جزء سري من الضريح، أما القبران المتواجدان علنا فهما رمزيان فقط نظرا لخوف السلاطين من زوال الدول ونبش القبور، وهي عادة كانت متفشية بين الأسر المتداولة للحكم.

خــاتــمـــة:

في سنة 1657، أصيب شاه جاهان بمرض أعجزه عن السلطة، وتولى ابنه “دارا” إدارة الشؤون، وكان لشاه جاهان أربع أولاد، دارا ومراد وشجاع واورانجزيب وهم أبناء ارجمند. وبعد الصراع بين الإخوة الأربع استطاع اورانجزيب أو محي الدين محمد تولي السلطة وعزل إخوته، وقام بوضع شاه جاهان في القلعة المواجهة لتاج محل، وبقي شاه جاهان في محبسه في القلعة وليس له إلا نافذة يطل منها على التاج حتى توفاه الأجل. وكانت ابنته “جاهانارا” كما روي بعد أن عجز عن الوقوف لمشاهدة الضريح من النافذة قد وضعت له –ولاندري هل هي نفس المرآة التي اشتري في أول لقاء له مع ارجمند– مرآة صغيرة بقرب فراش مرض الموت تعكس له صورة التاج حتى توفي في عام 1666، ودفن إلى جوار “ارجمند بانو” في نفس الضريح الذي قيل فيه “أن العالم يجب أن ينقسم إلى فريقين الذين شاهدوا تاج محل والذين لم يشاهدوه“.

*باحث