محمد نجيب كومينة
َيستطيع المتتبع النبيه للوضع في الجزائر ان يكتشف، دون مجهود كبير، ان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعيش خوفا رهيبا من الاتي ناتج عن عدم معرفته بالقرار الذي يتخذه الكابرانات بشان تمكينه من ولاية رئاسية ثانية، لانه يعرف جيدا ان الجنيرال كايد صالح كان قد زور نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة لصالحه بينما كانت بقية الكابرانات ضده، وان استمراره في الموقع الذي عين به، بعد الانقلاب على كايد صالح، نتج عن عدد من الحسابات المتعلقة بالخارج اكثر من الداخل، والا لكان المنقلب شنقريحة قد نصب نفسه رئيسا وحيدا بدل الثنائية الرئاسية الحالية التي يعمل على تاكيدها بحضوره الطاغي والمدل للرئيس الشكلي.
ذلك ان تبون يعرف ان الرئيس الجزائري المقبل سيقرر في شان اختياره الكابرانات النافذين والمتنافسين وليس صناديق الاقتراع واصوات الناخبين، كما كان الشان بالنسبة له، واذا وقع الاختيار على غيره، فانه يعرف ان ماله سيكون هو السجن مثلما كان عليه الامر بالنسبة لمجموعة كايد صالح، وقبلها مجموعة الجنيرال توفيق، الذي كان يعتبر نفسه رب الجزائر والذي يعود اليوم الى القرار، و يعرف ان الكابرانات يتوفرون على ملفات وسخة تدينه وعائلته و يمكن ان تجعله يقضي ماتبقى له من عمر سجينا مهانا، ليس وحده، بل صحبة زوجته وابنه المتورطين في تهريب الكوكايين و الارتباط باحد اكبر تجار المخدرات بالجزائر، و صحبة من كانوا قريبين منه و امر شنقريحة بفتح بحث عن صلتهم بفرنسا من شانه ان يقود الى الصاق تهمة التخابر بهم وبرئيسهم و محاكمتهم جميعا بتهمة الخيانة العظمى.
لذلك، فان تبون الفاشل داخليا بكل المقاييس، قد انتقل من الرهان على ماكرون لدعمه وحمايته، لان لفرنسا حضورا ونفوذا وسط الجنيرالات رغم ان بعض المظاهر قد توحي بالتغلغل الروسي، الى مسابقة الزمن لاكتساب شخصية دولية بحثا عن حماية دولية في حال ما اذا انتهى به الامر في الوضعية التي بات يتوقعها وتؤرقه كثيرا، وهذا ما يفسر تحركاته العشوائية نحو روسيا والصين و قطر وتركيا والمانيا، التي عاد اليها لاستكمال العلاج بعدما بات يجد صعوبة اكبر في المشي. اذ ان رحلاته المكوكية الاخيرة المتجاوزة لكل الاعراف الديبلوماسية للتحضير لزيارات رؤساء الدول بشكل يحفظ لهم كرامتهم و اعتبار بلدانهم، و التي تملق خلالها رئيس القوة الضاربة محاوريه بشكل مدل، تبدو بالدرجة الاولى كرهان شخصي اكثر مما تخدم مصالح دولة او بلد، ويتعلق الامر برهان مزدوج، اذ يتوخى اقناع الكابرانات بانه يمكن ان يلعب دورا في خلق توازن اقليمي مع المغرب، بعد الاختلال الواضح في السنوات الاخيرة الذي عصف باربعة وزراء خارجية جزائريين والخامس في الطريق، عبر حركيته الدولية و فسح المجال للانخراط في تحالفات دولية ناشئة، ومنها تحالف بريكس الذي تفتقد الجزائر للشروط الدنيا للالتحاق به في الزمن المنظور، وبانه اكتسب القدرة على الظهور بمظهر رئيس وليس بمظهر مهرج كي يرضوا عليه ويمددوا له، ويتوخى ايجاد مهرب في حال ما اذا سارت الرياح في عكس الاتجاه الذي يرغب فيه او على الاقل توفير نوع من الحماية له اذا ما تم استبعاده او اعتقاله.
ونظرا لمعرفته بدرجة جنون شنقريحة، فان تبون يخشى ليس فقط ان “يتكرفس عليه” ويمارس عليه عدوانيته في حال مااذا ساء ت وضعيته، بل انه يخاف ايضا من ان يورطه المجنون ويورط الجزائر في حرب مع المغرب، مع معرفته المسبقة بان الجيش الجزائري ليس جاهزا لها وبان الجزائر لن يكون بمقدورها تحمل كل تبعاتها، وحين صرح بانه اغلق الاجواء الجزائرية في وجه الطيران المدني المغربي، بعد قطع العلاقات، لتحاشي الحرب، فانه كان يعني ما يقول، فقد اتخذت القرارات الاكثر عدائية التي يمكن اتخاذها، خارج اعلان الحرب، لارضاء المجنون و اشعاره بانه حقق شيئا، والمجنون لايثاق به حتى بعد كل ذلك، لانه ببساطة لا يفكر ولايمكنه تقدير العواقب و يمكن ان يقتل كما يمكن ان ينتحر دون سابق انذار.
والله يبعد بلاهم علينا ويحمي هذا البلد من شرورهم ومن هروبهم الى الامام عندما يصبح فشلهم اكثر عريا امام الشعب الجزائري الذي يواجه حالة ماساوية في الايام الاخيرة.