آخر الأخبار

تجديد الملاعب لا يصلح الخراب المزروع في العقول

في واحدة من أكثر المشاهد عبثًا وقبحًا، تحوّل مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، خلال مباراة الرجاء البيضاوي ضد حسنية أكادير، إلى ساحة للتخريب والفوضى، لا علاقة لها بالفرجة الكروية ولا بالروح الرياضية.
مباراة كان يُفترض أن تكون لحظة احتفاء بعودة الحياة إلى المركب بعد ترميمات طويلة ومكلفة، تحولت إلى وصمة عار ودرس صادم في انعدام الوعي والهمجية.

المراحيض محطمة، الكراسي مكسرة، الأبواب مخلعة، ومشاهد لا تليق لا بالرياضة ولا بالمدن ولا حتى بالإنسان.
ما وقع لم يكن مجرد تصرفات معزولة، بل فعل ممنهج من جمهور جزء كبير منه لا يعرف الانتماء، ولا يحمل ذرة احترام للممتلكات العامة. ملايين الدراهم أُهدرت في إصلاح المركب، ليأتي من لا يستحق الجلوس فيه ويُحيله إلى خرابة، وكأننا أمام انتقام جماعي من الدولة والمجتمع والبنية التحتية.

وهنا لا بد أن نقولها بوضوح وبأعلى صوت: لسنا بحاجة فقط لبناء الملاعب، بل لبناء الإنسان أولًا.
هذا الإنسان الذي لا يرى في الكرسي سوى هدفًا للخلع، وفي المرحاض فرصة للتخريب، وفي المدرج ساحة صراخ وانفلات، لا يمكنه أن يكون جزءًا من مشروع حضاري أو مجتمع راقٍ.

ما جدوى الملايين إن كنا نضعها في منشآت تذوب تحت جهل وانعدام المسؤولية؟
ما فائدة الحجر إذا كان البشر لا يميز بين الاحتفال والتدمير؟
كيف نراهن على تنمية رياضية، بينما من نُراهن عليهم لا يحترمون حتى قواعد السلوك البشري؟

والمؤلم أكثر أن كل هذا وقع أمام أعين الجميع، دون رادع حقيقي، دون مساءلة حازمة، دون اعتقالات أو محاسبة علنية. وكأننا نعيش في بلد لا قانون فيه، أو أن الفوضى أصبحت طقسا عاديا يُواكب كل مباراة!

إن ما جرى في مباراة الرجاء وحسنية أكادير ليس مجرد تخريب… بل هو إهانة للرياضة، للمال العام، وللمجهودات التي تبذل في صمت لبناء فضاءات عمومية تليق بالمغاربة.

العيب ليس في المدرج، بل في من يعتليه.
العيب ليس في البنية التحتية، بل في من لم يُبْنَ من الداخل.
ونعيدها: وجب بناء الإنسان قبل الحيطان، لأن ما لا تقدر عليه الجرافات، يهدمه الجهل بلمسة واحدة.