مصطفى المنوزي
رغم إختلافاتنا مع النظام السياسي ومناهضتنا لمظاهر الإستبداد ومخالفات الفساد ، فإننا نؤمن بإمكانية وجود “جزر ” لحرية الإعتقاد والإنتقاد في بحر الظلمات ، حيث لا نملك سوى التمرد بالسباحة السائلة تجاه تيار القوة الناعمة “”
ابو نسيم م .
توافقت أغلب التحاليل السياسية من كون الدولة المغربية ليست فقط جهازا في يد الطبقات الحاكمة والسائدة ، بل هي طبقة في حد ذاتها ، رغم عدم إنسجامها باعتبارها تشكيلة متعددة من التعبيرات الإجتماعية والإقتصادية بما يطلق عليها سياسيا وإعلاميا بالتحالف الطبقي الحاكم ، ودستوريا يعتبر رئيس الدولة ممثلا لها ، لذلك فعندما نطالب بدولة المجتمع بديلا لمجتمع الدولة ، في إطار مشروع دينامية تشكيل وتأسيس جبهة مدنية ببعد سياسي ، مشروع ينطلق من إشكالية ” الدولة التي نريد ” فلغاية تأكيد ان هناك إحساس قوي بأن الدولة تنحو إلى معارضة المجتمع حتى لا يتقدم ويتحول حداثيا ، وذلك بهيمنتها على مجموع قوى وسلط المجتمع المدني ، من خلال إحتوائها لكافة البنيات وخاصة الهيئات الفوقية التي لدى الفئات المكونة للطبقة السائدة . وهذا يتمظهر في تمثل ما يسمى بخصوصيات الدولة الأبوية المحافظة والحريصة على الإستثمار ، باسم الإستثناء والخصوصية ، في مجتمعنا البطريركي ، ومن هذه الخصوصية يتم تسويغ وصياغة أشكال السيطرة الملائمة . فبغض النظر عن الشرعية التاريخية والدينية ، فإن تبني مفهوم جديد للدستورانية وتضخم الدولة القانونية (يتضخم فيها التشريع وإسهال في تعديلاته وهي ليست بالضرورة دولة القانون ) ، يضفي على التسييد والحكم مقتضيات الشرعية الدستورية ، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي حاول ، شكلانيا ، إضفاء صبغة التميز ، بفصل اختصاصات الملك كأمير المؤمنين ، وتمييزها عن صلاحيات الملك كرئيس للدولة . لأن الجوهر يظل قائما مادامت العلاقة المعقدة للدولة بالبنى التحتية والفوقية تظل متماهية واقعيا ، بدليل أن الدولة تتسيد جميع السلطات وتتراس كافة المؤسسات وتمارس جميع الصلاحيات والإختصاصات ، قد تفوض بعضها ولكن دون التخلي أوالتنازل عنها ، وكلنا يعلم أحكام الوكالة وآثار التدبير المفوض ، والذي يظل في عمقه تنفيذيا ، وما يثيره من مسؤولية تستتبع المحاسبة ( مساءلة المنفذ دون صانع القرار ) إن إقتضى الأمر . إلى درجة أن الفاعلين الحكوميين والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وتنفيذ القرارات يعانون من فوبيا تحمل المسؤولية ، الشيء يدفعهم إلى تبني قاعدة ” كم من حاجة قضيناها بتركها ” ، وقد يتجسد يوميا من خلال اعتبارهم (وكذلك الفاعلون الحزبيون والبرلمانيون ) أن السياسة كما الشأن الديني والشأن الأمني والسيادة والخارجية مجالات محفوظة للملك ، مما يشكل خطرا على الوطن وعلى المؤسسة الملكية نفسها ، بحكم أن اعتقاد هذه الأخيرة وتمثلها للشرعية المتعالية عن الدستور والصراعات ، تمثلا ايديولوجيا لا يفصل بين المجال العام والمجال الخاص ، إلى درجة ان كثيرا من المحللين يتماهى لديهم شخص الملك بشخصيته الدستورية ، وأحيانا يتم الخلط بين الملك والمؤسسة الملكية والقصر والمخزن والنظام السياسي . وهو إشكال بنيوي يحتاج إلى تعميق الدراسة والبحث في مصطلحاته وما ينتج عنها مفاهيميا . فرغم أن النظام السياسي هو المظهر العام الذي ينبغي أن يكون محل تقييم ونقد وتقويم من الناحية السياسية ، فإن من مخاطر التماهي المشار إليه في الصلاحيات والمسؤوليات ، أن تكون المعارضة للأشخاص بدل أن تساءَل المؤسسات ، معنويا وسياسيا أو قانونيا . وبغض النظر عن هشاشة بنيات التشريع وهيمنة المبادرة الحكومية في المجال ، فإن سؤال الحكامة البرلمانية يقترن بسؤال جودة التشريع ومشروعيته في العلاقة مع الأمن القانوني ؛ وفي ظل سيادة العقلنة البرلمانية المستوردة من النظام الدستوري الرئاسي الفرنسي للجمهورية الخامسة ؛ فإن تصخم التشريع على حالته ، يطرح إشكالية ومخاطر صيرورة الدولة ” الرخوة ” ، والمُعَرَّفة لدى بعض الفقهاء الدستوريين والمحللين السياسيين بأنها الدولة التي تنتج القوانين دون أن تطبقها ، فتنتعش بيئة تشرعن لعدم الإفلات من العقاب . و” للدولة الرخوة ” تداعيات وعواقب وخيمة ، سنعود إليها في مقالة خاصة لاحقا . غير أنه يقابل مفهوم الدولة الرخوة مفهوم الدولة القوية ، والتي لا تعني الدولة المخيفة والأمنية ، بل إن الدولة القوية هي الدولة الآمنة غير العنيفة ، لأن الشطط في إستعمال السلطة والتعسف في إستعمال القوة رديفان للقهر والقمع ولو كانا ناعمين كما هو نعت ” رخوة ” التابع لكن القاتل لمنعوته .
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن