لان كورونا مفاجئة وتمثل تهديدا للحياة، فقد كان طبيعيا ان تكون مواجهتها بقرارات واجراءات تنحصر في المدى القريب، بل القريب جدا، تتطور وتتغير بشكل يومي تقريبا بحسب اتساع رقعة الوباء وعدد ضحاياه.
واذا كان اتخاذ القرار في ظرف كهذا يتطلب توفر المقررين على استعدادات ذهنية ونفسية خاصة، بحيث لايجعلهم الضغط المتعاظم يفقدون تركيزهم وعقلانيتهم وشجاعتهم ايضا، لان القيادة في ظرفية يغلب فيها الخوف، بل الرعب، تستدعي تعميم الشعور بالثقة وخلق تفاعل ايجابي مع كافة شرائح المجتمع وحالة من التضامن الجماعي وتسخير الامكانيات المتاحة لترسيخها. وقد نجح المغرب الى حد بعيد في ذلك، كما نجحت كوريا الجنوبية والصين، بينما واجهت مجموعة من الدول الكبيرة مشاكل عويصة في تدبيرهذا الطارئ الخطير وتخبطت كثيرا بسبب عجز قياداتها عن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب او تخبطها او ترددها مما ادى الى انفلات الوباء من السيطرة وسقوط عدد كبير من الضحايا، كما يحدث الان بالولايات المتحدة وقبلها ايطاليا وفرنسا وغيرها.
واذا كان طبيعيا وضروريا ان يتم التركيز بشكل كبير على المدى القصير في المعركة ضد الوباء بغرض السيطرة عليه وانقاذ الارواح الان، مع ما يستتبع ذلك من اجراءات اقتصادية واجتماعية للحد من التاثيرات الناتجة عن توقف عدد كبير من الانشطة والقطاعات وتراجع او توقف مجموعة من الموارد العمومية، فانه من الطبيعي والضروري ايضا ان يحضر في هذا الوقت التفكير العقلاني والرصين في افق الخروج ليس فقط من الحجر المنزلي تدريجيا ، بل وايضا في الحد من اي اثارسلبية يمكن ان تترتب عن عدد من الاجراءات التي اتخذت واتخاذ القرارات التي تحد من اثارها السلبية، وعلى الخصوص في التغييرات التي تفرض نفسها على المدى البعيد من اجل تحصين الوطن والشعب المغربي في مواجهة مختلف التحولات التي جاءت كورونا لتسريعها وساهمت في ترتيب سلم اولوياتها. ومن الطبيعي والضروري ان يستحضر كل تفكير يقوم على بعد النظر ما حدث من تجاوب بين الدولة والمجتمع في مواجهة الوباء في اتجاه تعميق الثقة وليس تبديدها كما تبددت فرص سابقة، خصوصا وان الدولة مطالبة في السنوات القادمة بتحمل مسؤوليتها كاملة في قيادة معركة مصيرية للخروج بشكل نهائي من التخلف واعادة بناء التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والمجالية وفق رؤية جديدة للتنمية توفر اساسا لحل وسط تاريخي جديد يضمن عيشا مشتركا هادئا ومسارا ديمقراطيا جديدا يعيد للتمثيلية اعتبارها على اساس تجديد الحقل السياسي وتحريره من الفاشلين والانتهازيين والوصوليين الذين ابانوا عن هشاشة وجهل وتدهور اخلاقي غير مسبوق.
يتبع
محمد نجيب كومينة / الرباط