قال خالد آيت الطالب، زير الصحة اليوم بمجلس النواب خلال جلسة الأسئلة الشفوية، إن مشروع الحماية الاجتماعية، سيما الجانب المتعلّق منه بإرساء تغطية تأمينية شاملة وموحّدة، يشكل ورشا هاماً تجتهد وزارة الصّحة لمواكبته وتنزيله، بتعاون وتنسيق مع باقي شركائها وبمساهمة كلّ المتدخّلين، حتى تكون في الموعد مع الآجال المحدّدة له، رغم كلّ التحديات والإكراهات، وظروف الحذر، وتصاعد القلق العالمي الكبير المرتبط بانتشار موجة ثالثة من الوباء مع ظهور سلالات جديدة متحوّرة منه، وتزايد الصّعوبات المرتبطة بتأمين اللقاحات في سباق محموم مع الزّمن في ظلّ ارتفاع الطلب العالمي عليها.
ونوه الوزير بما أسماه ” الجهود الجبارة” التي قام بها العديد من المتدخلين، إلى جانب قطاع الصّحة، كالدّاخلية وقوات الأمن والدّرك الملكي والقوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ورجال الإعلام لتدبير 3047 مركزاً قاراً، وأزيد من 10 آلاف وحدة متنقلة خُصِّصت للتلقيح ضد الفيروس، حيث تمكّنا، بحمد اللّه، إلى حدود يوم أمس ( الأحد 25 أبريل الجاري ) من تلقيح 4.723.635 شخصاً بالجرعة الأولى، و4.217.485 بالجرعة الثّانية.
وتفاعلا مع تساؤلات النواب حول هذا الورش الحيوي الهام، في ارتباط بالوضع الوبائي ببلادنا وبالاستراتيجية الوطنية للتلقيح، تناول الوزير مداخله هذا الموضوع عبر محورين:
الأول، يُعْنَى بالسّياق الوبائي الحالي ببلادنا وتدابير إنجاح حملة التلقيح المتواصلة؛
أما الثّاني، فيتعلّق بمخطّط تأهيل وإصلاح المنظومة الصّحية في إطار استعداداتها لمواكبة الورش الملكي الكبير الرّامي إلى تعميم التغطية الصّحّية على الجميع.
- السّياق الوبائي الحالي ببلادنا وتدابير إنجاح حملة التلقيح:
لقد تابعنا جميعاً، بفخر واعتزاز، التّدبير المثالي لصيرورة الحملة الوطنية للتّلقيح ضدّ فيروس كورونا، والتي نَوّه بها العالم أجمع، نتيجة الأداء الجيّد والتحرّك الاستباقي لبلادنا، بتوجيهات ملكية سامية، حمايةً للمواطنات والمواطنين، وبالنتيجة، حماية النظام الصّحّي من الانهيار، لا سيما وأن العديد من البلدان مازالت تعاني من أجل تأمين الحد الأدنى من جرعات اللقاح الضرورية لسكانها.
فقد تَصدَّر المغرب، على المستوى القارِّي، عَدَدَ ومُعدّلَ الأفراد المستفيدين من التلقيح، كما احتلت المملكة، وفي المجال ذاته، المرتبة الــ10 على الصعيد العالمي من بين الدّول التي نجحت في تحدي التطعيم، حسب إفادة منظمة الصحة العالمية.
فالرهان الذي لا زالت بلادنا تسارع في سبيل تحقيقه اليوم هو ضمان الحماية اللازمة للفئات الهشّة على وجه الخصوص، والتحكم بعد ذلك في انتشار العدوى الوبائية، عبر تمديد تدابير الطّوارئ الصّحية، حيث تمّ، في إطار الاحتياطات المتخذة، تعليق الرحلات الجوية مع العديد من الدول بعد الإعلان عن ظهور طفرات متحوّرة للفيروس بها.
وقد أثمرت كلّ هذه الجهود الصّعبة والمكلّفة تحسناً كبيراً في مؤشّرات الحالة الوبائية بموازاة تواصل الحملة الواسعة للتلقيح في كل البلاد. إلاّ أنّ اكتشاف جهاز المراقبة الجينومية للمتحوّر البريطاني للفيروس بـ9 جهات بالمملكة، دفع وزارة الصّحة إلى رفع درجة الحذر واليقظة والدعوة إلى الصّرامة في احترام الإجراءات الصّحّية لمواجهة التحولّ الفيروسي الحاصل، كما دفع السّلطات العمومية إلى فرض حظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني خلال شهر رمضان، حمايةً للمكتسبات المحقّقة، واحترازاً من تدهور الوضعية الوبائية ببلادنا من جديد (على غرار ما حصل الصيف الماضي).
ومن المرتقب أن تنجح بلادنا، في غضون أشهر، في الحفاظ على صحة الأشخاص الذين يحملون عوامل الاختطار ما فوق 55 سنة، وتحقيق أهمّ أهداف الاستراتيجية الوطنية للتلقيح، ألا وهو القضاء على الحالات الخطيرة والوفيات، مُروراً بالتّحكم في الوباء، وصولا إلى تحقيق المناعة الجماعية المنشودة.
وفي هذه الحالة، وحتّى في حالة نفاذ الّلقاح أو حصول تأخّر في التزوّد، فإن بلادنا ستكون قد نجحت بشكل كبير في التقليص من حالات الوفيات والحالات الخطيرة في صفوف الفئات ذات الهشاشة الصّحية، ونكون – بالتالي -في طريقنا إلى التّحكم في الانتشار الوبائي وذلك عبر تمديد الإجراءات الاحترازية والوقائية.
وقد شجّع الاستقرار الذي عرفته الوضعية الوبائية ببلادنا على إنجاح عملية التلقيح، إذ سجّل المنحى الوبائي انخفاضا كبيراً، حيث تقلّص المعدل اليومي لحالات الوفيات جراء الفيروس، وتراجع من 92 حالة وفاة (زمن الذّروة في 20 نونبر الماضي) إلى 4 حالات خلال الـ 24 ساعة الماضية، وبذلك استقرّ معدل الإماتة حاليا في 1,8%. وبالمِثْل، انخفض المعدل اليومي لانتقال العدوى، حيث بلغ مؤشّر الإصابة خلال 24 ساعة الأخيرة 0,9، وبذلك انخفض عدد الإصابات من 6195 إصابة (زمن الذروة بتاريخ 12 نونبر الماضي) إلى 326 إصابة خلال 24 ساعة الماضية مع معدّل للإيجابية بلغ 6,3%، خلال الأسبوع المنصرم (من الاثنين 19 أبريل الجاري إلى 25 منه)، في حين انتقل معدل ملء الأسرة بوحدات العناية المركزة من 39% إلى 12,6%. كما ارتفع عدد المتعافين خلال 24 ساعة إلى 390 حالة، أي بنسبة تعافي بلغت 97,2 %.
أمّا بالنسبة للتوقعات للأيام القادمة بشأن الحالة الوبائية، فإن دينامية سير الوباء حالياً لا تمكّننا من استشراف ذلك، خصوصاً ونحن أمام ظهور سلالات جديدة. كما يصعب التكهّن بالإجراءات التي يُلزم اتخاذها في حالة اكتشاف المزيد من السّلالات المتحورة التي ترفع من سرعة انتشار الفيروس.
أمام هذا الوضع، وضعت وزارة الصّحّة جهازاً للمراقبة الجينومية لفيروس كورونا المستجد من خلال ائتلاف من المختبرات ذات منصة وظيفية للتسلسل الفيروسي لفيروس كورونا المستجد قصد متابعة التسلسل ووضع دراسات لاكتشاف طبيعة ونوعية الفيروسات الموجودة بالمغرب، وتحديد هذه السلالات المتحورة وتمييزها بالتسلسل الجيني.
وقد أعلن المعهد الوطني للصحة، في 18 يناير الماضي، عن اكتشاف السلالة البريطانية المتحورة من فيروس كورونا المستجد لدى مواطن مغربي عائد من إيرلندا، كما تم تحديد شخصين آخرين من عائلته كانا يحملان نفس السلالة المتحورة، وقد تم التكفل حينها بالأشخاص الثلاثة وفقا للبروتوكول الصحي المعتمد.
ويعتبر ظهور هذه الطّفرات طبيعياً في علم الفيروسات، ومرتبط بالطّريقة التي تتكاثر بها هذه الكائنات الميكروسكوبية.
لذلك، اتخذت السّلطات العمومية مزيداً من اليقظة خلال إصدار قرار بتمديد تدابير حالة الطوارئ الصّحية وفرض حظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني خلال شهر رمضان، مع الإبقاء على مختلف التدابير الاحترازية المعلن عنها سابقا، لأن المغرب لم يَصِلْ بَعدُ إلى المناعة الجماعية التي تسمح له بتخفيف الإجراءات المتخذة في هذه الفترة التي يُنتظر فيها التّوصّل بإمدادات جديدة من اللّقاح، وبالتالي لا يمكن للحكومة انتظار تدهور الحالة الوبائية لتشديد الإجراءات وإلا سيكون تحركها متأخرّاً لتَجْنِيب البلاد موجة ثالثة من الفيروس.
هذه التّطوّرات التي يجب أن تَظلّ مشوبةً بالكثير من الحذر خصوصا مع التّصاعد النسبي الذي عرفه المنحى الوبائي ببلادنا في الأسابيع القليلة الماضية، بسبب التراخي الملاحظ في الالتزام بالتّدابير الوقائية والاحترازية الموصى بها.
وعموماً، فالمملكة قد اسْتنفَرت أجهزة الرّصد والمواجهة لتتبّع التطّور الوبائي ببلادنا والطّفرات الحاصلة للفيروس، وتعزيز نظام الوقاية الدّوائية للإبلاغ عن حالات الأعراض الجانبية وتتبعها.