عبد الواحد الطالبي
اصطدمت جهود المدير الإقليمي للتربية الوطنية في طريق الإصلاح بمعيقات حجبت أن يظهر عمله للعيان واقعا عمليا في الإدارة وفي المدرسة وكل الشأن التربوي في مراكش.
وعبثا حاول لملمة الشتات الذي انفرط من حوله في حرب ملعونة لا بطولة فيها ولا نياشين غير مزيد من ضحايا المدرسة المغربية العمومية وإفراز فئات جديدة من مغتني الكوارث.
الاغتناء من حرب التعليم في مراكش مجرد اقتيات على فتات وتحصيل قطامير طمعا في أستاذ أو مدير جشعا على موائد ضريع، يتستر لأجله مسؤول عن جريمة او فضيحة أو شكاية ويقضي في الشره إليه حاجة أو يؤدي خدمة.
وسعى المدير الإقليمي ما استطاع إلى ما لم ينجح في جميعه وليس في كله توفق، ولكن مسعاه كان محمولا على نية طيبة وإرادة صادقة وعزيمة قوية لإحداث القطيعة مع الديدن المنبوذ لتجارب التدبير الإداري والتربوي الفاشل والتسيير المتواطئ مع الزبونية والمحسوبية وترضية الخواطر.
قليلون الذين صمدوا على كرسي المسؤولية في قطاع التعليم بمراكش، وكان في نفوسهم بعض الغيرة على القطاع وتحذوهم الرغبة في الارتقاء بقيمه التربوية إلى مستوى طموح ما تريد القيادة في الدولة ان تكون عليه التربية والتكوين ببلادنا، فهم إما تداركوا فغادروا من قبل أن يباغثهم ما له يحتسبون، أو أنهم استسلموا لما خبت نار ما كان في أحشائهم حمي غليه من الوطنية له مراجل.
للمديرية الإقليمية للتربية والتكوين في مراكش دأب تعودت عليه، يتوارثه جيل من الموظفين تغيرت الحياة والظروف من حولهم وهم لم يتغيروا كانما عقارب الساعة توقفت في مكاتبهم والفلك من فوقهم لا يدور، لا صديق دائم في المديرية ولا عدو دائم إنما مصلحة دائمة بمنافع غالبا ذاتية، أصحابها كالقصايين الذين يذبحون الذبائح ويسلخون الجلود ويأكلون اللحوم ويفترشون البطائن ويرمون العظام ثم يتراشقون بالفرث.
وما أعجب سوى ممن يتعشى بلحم أخيه!
لم تعد في المديرية للصمت بلاغة ولا للصوت صدى، عدا قعقعات التناور في معارك الإسقاط الذي لا يكون الضحية فيه سوى نظام التعليم وأطرافه من المدرسين والتلامذة وشركائهم في جمعيات الأمهات والآباء والأولياء.
أقسام ومصالح ومكاتب تتعطل بسبب وبدونه وحجتهم لا ما يسندها إلا أن يكون المسؤول-الرئيس من تحته الكرسي بثلاثة أرجل وهو من فوقه أرجوحة واقعا أمام فوهات بنادق الأصدقاء الذين يتواجهون في الحرب الباردة والقناص متربص بطوع يديه للانقضاض على الغريم تحت وابل النيران للتغطية كيلا تتكشف خدعة الحرب بلا هوادة في قطاع يفترض ان يكون الأمن سمته والسلم طبيعته وعلامته.
وحرب التعليم في مراكش ليست قتالا للشجعان، تتبارز فيها الأطراف بوجوه مكشوفة تسقط صرعاها من بين الذين في ساحاتها يخوضون معارك النم والنق والدس والغب والخب… وكله طعن من الخلف أو من وراء حجاب.
فلا حاجة لكل هؤلاء الذين يسعون في الأرض بطمع في حظ من تعليم يجعلهم في المستقبل شيئا مذكورا، لحروب تلجئهم إلى قاعات صارت بالازدحام معتمة هواؤها خانق يتكدسون داخلها متعرقين بماء يكتبون على صفحاته تاريخ طفولة مغتصبة وشباب ضائع…؛
ولا حاجة لمعلومة تكون غذاء للأردة في دولاب الأرشيف داخل مصلحة ذات اختصاص، بالحروب التي تتقن التعتيم وتقطع التواصل مع الإعلام لنشر الخبر عما تقوم به المديرية الإقليمية لتطوير التعليم وتجويد المدرسة العمومية وقطع دابر الفساد والإفساد المتفشيين؛
ولا حاجة لخصاص في الأطر والموارد البشرية بالحروب التي لا تحقق الاكتفاء بالمردودية المرجوة والتغطية المناسبة وترضي الأطر والأعوان بالإنصاف؛
ولا حاجة أيضا للحياة المدرسية في تفاصيلها الدقيقة بالحروب التي لا تصاحب المدرسين في التكوين ولا تواكب ترقية مداركهم وتفتح للمتعلمين آفاق التفتح بالانفتاح على القيم الكونية الانسانية ضمن فضاء حوار حضاري متثاقف وتحقق مدرسة الجودة؛
ولا حاجة للتوجيه والتأطير بالحروب التي لا تحقق الغايات والأهداف من ترسانة ما تحفل به توجيهات الوزارة ومذكرات الوزير وبرامج الحكومة من أجل المغرب الممكن؛
ثم لا حاجة للتدبير المالي والتسيير المادي بالحروب والاستنزاف متواصل في ظل جشع لا يبقي ولا يذر لمدرسة تئن من وطء الفقر والفاقة في التغذية واللوازم المدرسية والادوات الديداكتيكية والحاجة إلى وسائل العمل وكذا إلى الأمن والنظافة وجمالية الفضاء…؛
إنه لا حاجة لمراكش بمسؤول يسقط، ومدير إقليمي يرحل ومدير جهوي يطاح به، قدر الحاجة إلى أن يكون المسؤول ينصت بالقرب من المواطنين يستمع إليهم ويبث في شكواهم ويفتح مكتبه بلا حاجب ويتنقل عند الضرورة بيده الحل وبيده العقد وتقوده في ذلك صدق الإرادة وحسن النية.
وأما هذا الذي يوقد من أجله الأوار فالأجدر القول فيه أن التعليم في مراكش يحتاج لصراع الأفكار والبرامج في معارك الرجال وليس لأبطال من ورق في حروب طائشة.