الرداءة الفكرية والغباء السياسي صارا موجهين للسلوك السياسي للطغمة التي تاتت لها السيطرة على مقاليد الحكم في الشقيقة الجزائر في الظروف المعروفة الناتجة عن ثورة “يتنحاو كاع” وانقلاب الجنيرال كايد صالح الذي تلاه انقلاب شنقريحة.
الرسالة التي بعثت باسم البرلمان الجزائري الى الرئيس الامريكي بايدن تطالبه بالتراجع عن مرسوم سلفه ترامب القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء واعتبار الحكم الذاتي هو الحل الوحيد للنزاع المفتعل تظهر بوضوح الى اي حد وصل الغباء السياسي والرداءة الفكرية لدى الطغمة العسكرية المتحكمة في مصير الشعب الجزائري. لماذا البرلمان وليس رئيس الدولة او الحكومة؟
لو بعثت الرسالة باسم الرئيس لكانت مشكوكا فيها، لان الرئيس خارج البلاد في فترة علاج، والحكومة فيما يبدو تدبر الوقت الضائع الناتج عن فراغات عديدة ولا تشعر ان لها اي شرعية امام استقواء قائد الجيش شنقريحة الذي يتصرف كدولة متقمصا دور كايد صالح بعد انقلابه على بوتفليقة وصحبه، ولذلك لا يمكن ان تاخذها الولايات المتحدة ماخذ الجد، وهي العارفة من دون شك بما لا يمكن لنا او لغيرنا معرفته، بقي البرلمان، لكن هذا الاخير ،الذي يذكر بالمناسبة الرئيس الامريكي بوجوده، منتهي الصلاحية مند ان اظهرت ثورة الجزائريين الاحرار انه لا يمثل الا من عينوا اعضاءه ليكونوا واجهة لنظام عسكري لا يقبل اقتسام السلطة والثروة باي حال من الاحوال، ومند ان كشفت الانتخابات الرئاسية ثم الاستفتاء على الدستور عن انه مرفوض شعبيا، بدليل ان الدستور مرر باقل من 20% من الهيئة الناخبة، مع تسجيل ان المشاركة في المحطتين كانت قريبة من الصفر في بعض المناطق والمدن (تيزي وزو وبجاية…).
ما ينساه، او يتناساه من اوحوا للبرلمان بالنيابة عنهم في بعث الرسالة، انه سواء بعثت باسم البرلمان او الرئيس او الحكومة، فانها رسالة باسم دولة و انها انما تؤكد للرئيس الامريكي ما يعرفه اصلا، وهو ان الجزائر هي الطرف الرئيسي في النزاع الذي طالما ادعت انها ليست طرفا فيه، قبل ان تلزمها قرارات مجلس الامن بتحمل مسؤولياتها والكشف عن نواياها الخبيثة، وان الجبهة الانفصالية، التي تسهر على ادامة المأساة الانسانية لساكنة مخيمات تندوف، ليست الا اداة من ادوات العسكر الجزائري ضد المغرب وليست لها اي شخصية مستقلة ولا يمكن لها ان تكونها والا كان مالها معروفا،( وربما يتذكر الانفصاليون كيف ان النظام الجزائري اقتلع 44000 من المواطنين المتهمين بكونهم من اصول مغربية ذات عيد اضحى من مساكنهم ومسقط راسهم ورمى بهم الى الحدود مع المغرب في اطار احدى ابشع الجرائم ضد الانسانية.)
الرسالة التي بعث بها البرلمان الجزائري الى الرئيس بايدن، مصاغة بطريقة متملقة ومهينة، نسي من صاغوها ان القرارات في دولة عظمى من حجم الولايات المتحدة لا تتاثر قليلا او كثيرا بهذا النوع من السلوك الهدياني، وانما تحكمها حسابات عقلانية تجمع بين المصالح الاستراتيجية والاعتبارات الجيوسياسية والتحالفات المبنية قبل اليوم وغير ذلك، وايضا على حسابات السياسة الداخلية وتوازناتها، فالرئيس بايدن ليس دكتاتورا و لا صنيعة مؤسسة عسكرية تتحكم في كل شئ ولا يتلقى اوامر من جنيرال يدير واجهة مدنية باهتة الريموت كونترول، وانما هو فائز في انتخابات ديمقراطية عبر فيها الناخبون عن ارادتهم بحرية في اطار تقاليد ديمقراطية راسخة.
ولو انتظر اصحاب الرسالة، الذين دوخهم تسارع الاحداث مند انهاء الفوضى وسلوك قطاع الطرق في معبر الكركرات، لو انتظروا او ثريتوا قليلا وسمعوا خطاب الرئيس الامريكي من وزارة الخارجية اليوم لما اقترفوا ما اقترفوه، اذ اكد على اعادة بناء وتمتين تحالفات الولايات المتحدة، والمغرب حليف تاريخي لها ومند نشاتها، وعلاقته بها لا تتغير بتغير الرؤساء، وهذا ما يدركه الرئيس بايدن الذي شغل رئاسة لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي وكان نائبا للرئيس اوباما، ويدرك في نفس الوقت ان النظام الجزائري حليف لروسيا و انه اليوم نظام تائه بلا بوصلة ولا افق للوصول.
عندما يجتمع الغباء السياسي والرداءة الفكرية لابد ان ينتجا تراجيكوميديا، والاشقاء في الجزائر لا يستحقون هذا.
محمد نجيب كومينة / الرباط