في خطوة أثارت الكثير من الجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إعادة فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على مجموعة من الواردات، من بينها واردات قادمة من المغرب. ورغم أن هذه النسبة وُصفت بأنها “منخفضة” مقارنة مع الرسوم التي تُفرض على دول أخرى، يبقى السؤال المطروح: هل هذه الرسوم في مصلحة المغرب؟ وما هي تداعياتها الاقتصادية؟
أولًا، لا بد من التذكير أن المغرب يرتبط باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ عام 2006، مما فتح بابًا واسعًا أمام المنتوجات المغربية، خاصة النسيج، السيارات، المنتجات الفلاحية، والفوسفاط، لدخول السوق الأمريكية دون حواجز. لكن الرسوم الجديدة تفتح باب التساؤل حول مدى جدية واشنطن في التزامها بهذه الاتفاقيات، خاصة إذا لم تُستثنَ منها الدول الشريكة مثل المغرب.
10% ليست بسيطة رغم كونها منخفضة
قد يعتقد البعض أن نسبة 10% ليست مرتفعة، خصوصًا إذا قورنت بالرسوم الجمركية التي تُفرض على دول أخرى، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 25% أو أكثر. لكن بالنسبة للمنتوجات المغربية، التي تُنافس بصعوبة في سوق شديدة التنافسية، فإن أي زيادة في السعر النهائي قد تُفقدها جاذبيتها، وتُؤثر سلبًا على الصادرات، خاصة بالنسبة للقطاعات التي تعتمد على السوق الأمريكية كمصدر دخل أساسي.
القطاعات المتأثرة
من بين أبرز القطاعات التي قد تتأثر بشكل مباشر:
قطاع النسيج والألبسة: يعد أحد أكبر القطاعات المصدرة من المغرب إلى أمريكا. تبلغ صادرات النسيج المغربي إلى الولايات المتحدة حوالي 1.2 مليار دولار سنويًا. فرض رسوم بنسبة 10% قد يؤدي إلى زيادة تكلفة المنتجات وبالتالي تقليل قدرتها التنافسية في السوق الأمريكية، خاصة مع وجود بدائل رخيصة من دول أخرى.
قطاع صناعة أجزاء السيارات: يعتبر هذا القطاع من القطاعات المهمة في الاقتصاد المغربي، خاصة مع تزايد الإنتاج في مناطق مثل طنجة. هذه الصناعة ترتبط بعقود طويلة الأجل مع شركات أمريكية وعالمية. الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات المغربية، وبالتالي قد تؤثر على الربحية وتقلل من قدرة المغرب على الحفاظ على حصته في السوق.
الفلاحة والتصبير: يعد قطاع الفلاحة من أهم القطاعات المصدرة إلى الولايات المتحدة، حيث يشمل زيت الزيتون، الفواكه الحمراء (مثل التوت والفراولة)، والأسماك. أي زيادة في الرسوم قد تُعرّض هذه المنتجات للارتفاع في الأسعار، مما يجعلها أقل جاذبية في السوق الأمريكي. فعلى سبيل المثال، تمثل صادرات زيت الزيتون المغربي حوالي 100 مليون دولار سنويًا إلى أمريكا.
هل هناك مكاسب غير مباشرة؟
رغم ما سبق، يرى بعض المحللين أن هذه الخطوة قد تدفع المغرب إلى تنويع شركائه التجاريين وتقليل اعتماده على سوق واحدة. كما أنها قد تُحفّز المنتجين المغاربة على تعزيز الجودة والقدرة التنافسية، من أجل الصمود في وجه التحديات الخارجية. تنويع الأسواق يُعد أحد الحلول الممكنة لمواجهة مثل هذه القرارات التجارية، وهو ما قد يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع بلدان أخرى، خاصة مع الأسواق الأفريقية والآسيوية.
كما أن فرض الرسوم شمل دولًا كثيرة، ما يعني أن المغرب لم يُستهدف وحده، بل هو جزء من سياسة أمريكية أشمل. هذا قد يشجع المغرب على البحث عن تحالفات جديدة مع دول أخرى تمثل أسواقًا واعدة.
المطلوب مغربيًا
اليوم، يجب على الحكومة المغربية أن تتحرك بسرعة على مستويين:
1. ديبلوماسيًا: عبر التواصل مع واشنطن والدفاع عن خصوصية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وتوضيح التأثير السلبي الذي قد تترتب عليه الرسوم الجمركية على الاقتصاد المغربي.
2. اقتصاديًا: بدعم الصادرات المغربية من خلال تعزيز تنافسيتها عبر تحسين الجودة، كما يجب السعي لتوسيع أسواق التصدير وتطوير شراكات جديدة مع دول مثل الصين والهند، وتكثيف التعاون مع إفريقيا من خلال اتفاقيات تجارة حرة جديدة، والتي قد تعوض التراجع المحتمل في التجارة مع الولايات المتحدة.
التأثير الاقتصادي العام
الرسوم الجمركية على المغرب قد تكون لها تداعيات اقتصادية واسعة، حيث تساهم في زيادة الضغط على الميزان التجاري المغربي. في حال تراجع الصادرات إلى السوق الأمريكية، قد يؤدي ذلك إلى خفض العوائد المالية التي تدعم الاقتصاد الوطني، وهو ما قد ينعكس سلبًا على صادرات القطاعات الحيوية مثل الفوسفاط والزراعة والصناعة.
ومع استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا وأزماته الاقتصادية المتعددة، فإن المغرب يحتاج إلى سياسة اقتصادية مرنة تعتمد على تقوية إنتاجه الداخلي والتوجه نحو توسيع أسواقه لتقليل الاعتماد على سوق واحدة.
ختامًا، قد تكون الرسوم الجمركية الجديدة “معتدلة” رقميًا، لكنها تبعث برسالة قوية يجب ألا نستهين بها. إنها تذكير بأن المغرب، كدولة صاعدة، بحاجة إلى بناء اقتصاد مرن، متنوع، وقادر على التكيّف مع تقلبات القرارات الدولية، خاصة حين تأتي من قِبل رؤساء لا يؤمنون كثيرًا بقواعد اللعبة متعددة الأطراف.