خلال العشرين سنة الماضية تم العمل على تركيز الثروة أكثر وتم اختيار مجموعات من طرف الدولة بشكل واضح كي تحتكرها وتشكل أوليغارشية مكشوفة تهيمن على كل شئ (مدى وريثة الشركة الوطنية للاستثمار وأونا التي تدبر الثروة الملكية، وأكوا التي يقودها أخنوش، ومجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية بقيادة عثمان بنجلون، والضحى بقيادة الصفريوي ومجموعة الشعبي وأليانس بقيادة الأزرق، ….) وحولها ثروات أخرى فتح لها المجال لتتوسع في العقار والفلاحة والخدمات، هدا بينما تم إخراج مجموعات أخرى من دائرة الرضى كمجموعة أمهال ومجموعة الكتاني … وغيرها ممن تجرأت على منافسة الهولدينغ الملكي أو شكلت له مشكلة، وخلال دلك فتح المجال للفرنسيين لمشاركة هده الأوليغارشية الكعكة المغربية
هدا التحكم من فوق في الثروة وفي المجموعات التي رأت الدولة على مستوى عال أنها الأصلح لاحتكارها رافقته سياسات عمومية متناسبة، سواء تعلق الأمر بالانفتاح غير المحسوب الدي أدى إلى تفاقم العجز التجاري بدون أثر على النمو والتنمية، وسياسة ضريبية ترتب عليها تعاظم النفقات الضريبية ( الإعفاءات والتخفيضات لفائدة الأوليغارشية بالدرجة الأولى ) ونقل العبء الضريبي إلى استهلاك المواطنين عبر الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك مع مفاقمة الفرق بين الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، رغم أنهما ضريبتين على الدخل في النهاية، دون أن ينتج على دلك تطور في المستوى المطلوب للاستثمار الخاص والنمو والشغل والدخل والحماية الاجتماعية، وعلى العكس من دلك اتجه عجز الميزانية نحو التفاقم مما دفع إلى العودة إلى سياسة التقويم الهيكلي في صيغتها الملطفة التي كلفت حكومة بنكيران بتبريرها،
ومن المفارقات أن هده الفترة تميزت بتضخم نقد اقتصاد الريع، لكن هدا الاقتصاد توسع بشكل غير مسبوق، ولعل الأراضي التي فوتت لمجموعة الضحى قبل دخولها إلى البورصة بأيام وتوزيع فيرمات صوديا من الفضائح التي لاتنسى في هدا الإطار،
خلال هده الفترة لم تكتف الدولة، والحكومة من ضمنها، بتوجيه السياسات العمومية نحو خدمة ثروة أوليغارشية طاغية وحسب، بل عملت على عزل فئات المجتمع المختلفة عن جزر الرفاه والثراء الفاحش عبر سياسة عمرانية تليق بنظام الأبارتهيد، وخلقت غيتويات لاتواصل بينها تجمعها الأحقاد من جهة ومشاعر الاحتقار من جهة أخرى وبالشكل الدي بات معه العيش المشترك في خطر، وهو خطر لايمكن أن يعالج بالسياسة الأمنية التي طغت على غيرها من السياسات العمومية وجعلت الدولة تكتسي طابع الدولة البوليسية بشكل يزداد حدة حتى بالمقارنة مع سنوات الرصاص.
خلال هد الفترة أيضا تم تدمير التعليم العمومي بشكل ممنهج وفرض على عدد كبير من الأسر الهروب منه نحو تعليم خاص بلا تقنين تقريبا، مما أدى إلى تفقير واسع شمل الفئات الوسطى، وقد كان دلك خيارا للدولة وليس تطورا طبيعيا، فدخول القصر مباشرة على خط خوصصة التعليم الجامعي واضح من خلال رآسة منير الماجيدي مثلا لمجلس إدارة الجامعة الخاصة بالرباط، وهي جامعة فاشلة بكل المقاييس،وإحداث مدرسة خاصة دات توجه فرنسي من طرف أميرة،
وخلال هده الفترة اقتنع المغاربة جميعهم أن المستشفى العمومي لم يعد له وجود فعلي وأن رامد لامعنى لها في ظل تحوله إلى مستنقع للفساد ولتصرفات مهينة للكرامة الإنسانية، ويتبين اليوم أن هناك توجها للقضاء على ماتبقى من التغطية الصحية بالتحايل واستغلال بعض الإخلالات والتجاوزات من طرف لوبيات المصحات والدواء والتطبيب الخاص والمختبرات.
كل السياسات التي اتبعت في الميدان الاجتماعي خلال العشرين سنة الماضية كان أفقها ليبراليا هجينا وكانت قائمة على مصالح خاصة من جهة وعلى إقصاء وتهميش أغلبية المواطنين وتفقير الفئات الوسطى التي سلمت كما تسلم السلعة لأبناك شرسة تدعمها سياسة نقدية متمحورة على الثروة ومضادة للمواطنين وللنمو والتنمية
كيف يقال والحالة هده من طرف البراحة الدين يؤثثون استوديوهات القنوات التلفزية الخاضعة لمراقبة أمنية لصيقة أن قنوات التوزيع مخنوقة. التوزيع لم يكن سياسة أو هدفا لسياسة أصلا. الثروات الخاصة المرتبطة بالسلطة والنفود كانت هي غاية كل السياسات في بلد تم التصرف فيه كما لو تم شراؤه في المزاد
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لم تكن اختيارا داتيا، وإنما فرض بالضغط الخارجي على الحاكمين، وحتى بعد القبول بها مخافة إغلاق أنابيب التمويل الخارجي، فقد تصرفوا فيها بالشكل الدي يقودها في النهاية إلى الفشل وكأنهم يرون في تحسن مؤشرات التنمية البشرية خطرا ما، ولو فتح ملف هده المبادرة بشفافية لتم اكتشاف فساد من حجم كبير وكدب لا يمكن تصور مثيل لهما في دولة تنتمي إلى هدا العصر، نفس الفساد يطبع سياسات عمومية أخرى تقدم نتائجها بشكل مغلوط، من قبيل مخطط المغرب الأخضر الدي دهبت تمويلاته للأكثر غنى والأقل حاجة إلى المال العام.
هناك مشكلة نمودج تنموي، لكنني شخصيا أخشى أن يكون النمودج المتحدث عنه مجرد غطاء للبيرالية متوحشة توصل أزمة العيش المشترك إلى التحول إلى حرائق تأتي على الأخضر واليابس.
تعليق عام وسريع قبل الدخول للتفاصيل المتعلقة بالفشل في تسريع النمو وفي تطوير الصادرات ومحاربة البطالة وتوفير نفس الخدمات الاجتماعية لكافة المواطنين والتأخر القروي وغير ذلك، في علاقة مع العجز البين في تطوير المؤسسات وأدائها واستقواء المؤسسات البوليسية.
محمد نجيب كومينة / الرباط