يثيرني كثيرا تعامل الصحافة مع تصريحات والي بنك المغرب. فقد حولها البعض الى قران منزل لايدخله الباطل من اي جهة. ويثيرني اكثر صمت الاقتصاديين العارفين بخبايا وتطورات السياسة النقدية والسياسة الاقتصادية عموما .
والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري يدلي بتصريحات سياسية في العمق يتعدى مداها السياسة النقدية التي يوجد في مركزها معدل الفائدة المديري كهدف وسيط وتمويل الاقتصاد.
لكن الاهم ليس هو خطابه السياسي، بل استمراره في تبني موقف لايختلف في العمق عن موقفه قبل ازمة 2008 التي انهت براديغم استهداف التضخم وابانت حدود السياسة النقدية في مواجهة ازمة تحول كبيرة سواء في الولايات المتحدة حيث استخدمت “لبلانش ابيي” عبر عمليات quantative easing او اوروبا التي انتقلت من السياسة المرنة accomodante، التي تمت الملاءمة معها هنا بعد مقاومة الجواهري، الى برنامج شبيه بالبرنامج الامريكي.
يتحدث والي بنك المغرب عن استقلالية مطلقة لبنك المغرب وكانه جزيرة معزولة وهي استقلالية لم يتطلع اليها فولكر لدى اقرار استقلالية الاحتياطي الفيدرالي في نهاية سبعينات القرن الماضي ولا البنك المركزي الالماني بعد الحرب العالمية الثانية ولا اي بنك مركزي، لانه لو كان الحال كما يريده او يتحدث عنه لاستحال على اي حكومة ان تضع سياسة اقتصادية، اذ تقوم هذه السياسة كما هو معروف على تنسيق السياسة المالية (الميزانية) والسياسة النقدية مند وجدت بعد ازمة ثلاثينات القرن الماضي واعتماد “نيوديل” بناء على اطروحة كينز، ولكان ممكنا الاستعاضة عن الحكومات والمؤسسات المنتخبة ببنك المغرب.
حديث والي بنك المغرب يتميز بنوع من التشدد من جهة والتدخل غير المباح في شان ليس من اختصاص مؤسسته من جهة ثانية ويبدو انه لايستوعب، افترض القصد وليس عدم المعرفة، ماتواجهه الابناك المركزية اليوم من تحديات بسبب وصول السياسات النقدوية المستوحاة من شيكاغو بويز الى توليد خطر الركود المصحوب بانعدام التضخم، على عكس الركود المصحوب بالتضخم في سبعينات القرن الماضي الذي برراعتمادها واكتساحها للمنظمات الدولية والاقتصاد العالمي، حيث كانت وراء سياسات اقتصادية جعلت الدولة مفترسة وخادمة لراس المال والثروة والمزيد من تركيز الثروة الذي يمثل المشكلة الاكبر اليوم.
محمد نجيب كومينة / الرباط