في إطار فعاليات المؤتمر الاربعين لصحفيي الضفتين المنظم بمدينة تطوان من 7 الى 10 نونبر الجاري، تم تنظيم زيارة لمركز تطوان للفن الحديث وقف خلالها رجال الإعلام بالضفة الشمالية ( شبه الجزيرة الايبرية ) على عمق التراسلات الثقافية التي ظلت تربط المغرب باسبانيا و البرتغال منذ سنين طويلة، من خلال هذه المعلمة التي شملت في البداية نقطة تواصل بري بين تطوان و مدينة سبتة عبر خط السكة الحديدية .
يوجد مركز تطوان للفن الحديث في بناية محطة القطار الأثرية بتطوان والتي صممها المهندس المعماري خوليو رودريغيث رودا، وتم تدشينها بتاريخ 4 ماي 1918. وقد تم تأهيل هذه البناية وتوظيفها كمركز للفنون الحديثة والمعاصرة .
تندرج البناية، من حيث شكلها المعماري، في أسلوب هندسي انتشر بمدن شمال المغرب في العقود الثلاثة الأولى للقرن العشرين، وهو أسلوب مستنبط من من الهندسة المعمارية المغربية والإسبانية المعروفة بطابعها الفريد الذي يعتبر شاهدا متميزا الإرادة التقارب والتبادل الاجتماعي والثقافي بين الشعبين الشقيقين.
يعتبر مركز تطوان للفن الحديث، أحد أهم رموز التعاون بين إسبانيا والمغرب، وكذلك بين تطوان وجهة الأندلس، حيث يمثل ذاكرة فنية طويلة ومشتركة تجمع بين ضفتي مضيق جبل طارق.
إن المدرسة الإعدادية للفنون الجميلة بتطوان التي تم إحداثها من طرف الفنان الغرناطي ماريانو برتوتشي سنة 1945 ، شكلت منذ تاريخ تأسيسها إلى يومنا هذا نقطة انطلاق ومرجعا للتعبير التشكيلي المغربي في شمال المملكة، وبتراكم تجاربها وفنانيها، أصبحت تعرف باسم مدرسة تطوان التشكيلية.
ويعرض في القاعات الأربع لمركز تطوان للفن الحديث، الإنتاج الفني لهذه المدرسة التشكيلية، التي تتكون من عدد كبير من الفنانين المنتمين إلى أجيال وتجارب مختلفة والتي تشكل جزءا من تاريخ الفن الحديث والمعاصر بالمغرب.
ولكن برتوتشي لم يكتف بكونه رساما للمغرب، بل عمل على إحداث المدرسة الإعدادية للفنون الجميلة بتطوان، التي أحدثت بصفة غير رسمية سنة 1945 وبصفة رسمية وبظهير خليفي في السنة الموالية، تحت إشرافه الإداري. كما شجع سنة 1943 تلميذه محمد السرغيني بمنحة للدراسة في الأكاديمية الملكية لسان فرناندو بمدريد، حيث أصبح محمد السرغيني أول فنان مغربي يدرس الفنون الجميلة بطريقة أكاديمية.
لقد تخطى الخطوات الأولى في مدرسة الفنون الجميلة مجموعة من الفنانين مثل فريكساس فيفو، ماريا خيسوس دولوريس كارلوس غايييغوس التهامي القصري داد، إسبيرانثا أنينيو، المكي مغارة، عبد الله الفخار ، سعد بن سفاج، وفنانون آخرون يمثلون بإنتاجهم الفني، فترة طويلة من تاريخ الفن التشكيلي بتطوان والمغرب وأوروبا.
اعتمد الفن التشكيلي التطواني على البرامج التعليمية لمدرسة الفنون الجميلة، إضافة إلى مجموعة من القيم التي ميزت هذه المدرسة عن مدارس مغربية أخرى، والتي بقيت مرسخة إلى يومنا هذا من خلال التمكن التقني والأكاديمي
حتى وإن تعلق الأمر بالتعبير التجريدي؛ إضافة إلى الرؤية المثالية للفن حيث كانت نتيجة شخصية تتميز بطابع خاص وطريقة متميزة لفهم أهمية التراث المكتسب، سهلت بكل طبيعية انضمام تشكيليين آخرين عصاميين لم يتلقوا التعليم الفني في هذه المدرسة، إلى المجموعة الفنية التابعة لها. إن الباحثين المتخصصين في الفنون التشكيلية يشيرون إلى الفنانين المتكونين في هذه المدرسة والمتأثرين بها كمنتمين إلى مدرسة تطوان التشكيلية.