محمد نجيب كومينة
فريق الاتحاد الاشتراكي في مجلس النواب يتقدم بتعديلات على مشروع قانون 23-15 المتعلق باحداث لجنة مؤقتة تعينها الحكومة للقيام مقام المجلس الوطني للصحافة تضمن ليونس مجاهد و عبدالله البقالي وممثلة نقابة “شوف تيفي” للناشرين البقاء في مواقعهم لمدة سنتين والاستفادة من امتيازات هذه المواقع.
تعديلات الاتحاديين تكرس و تعضد و تقوي الخرق الدستوري البين الذي ينطوي عليه مشروع قانون حكومي ذي طبيعة تحكمية، يعلم الله ما اذا كانت الحكومة من اعدته ام انه من اعداد جهات ما ترغب في خنق حرية التعبير والاستعاضة عن مشروع وزير العدل السابق بنعبدالقادر المناهض لهذه الحرية ولحق المواطنين في النضال ضد التحكم و تغول المصالح الريعية المسيطرة، و تطرح اسئلة مؤلمة لكل من ناضل من اجل ان يبزغ فجر الحرية والديمقراطية الحق في هذا البلد، من قبيل: هل تم طي صفحات الماضي على هذا النحو؟ هل باتت الحريات في هذا البلد، وفي مقدمتها حريات الراي والتعبير والصحافة، يتيمة او في احسن الاحوال شاغلا للهوامش والهامشيين من امثال صاحب هذه التدوينة؟ هل صارت الجهات المناهضة تاريخيا للحريات قادرة على جر الجميع وراءها بدون قيد او شرط؟ هل باتت المصالح الخاصة الضيقة والتسويات المتعلقة بها اهم من المبادئ الكبرى المؤسسة لاحزاب بعينها و المحددة لهويتها وانتمائها التاريخي؟ هل دخلنا مرحلة لم يعد متاحا فيها حق الاعتراض والمعارضة و حق الاختلاف؟ الى اين نسير؟
الدعاية، بمعناها القدحي و المتعارض مع اوليات الديمقراطية كما تطورت بفضل نضال النخب والقوى الديمقراطية والشعوب، لا يمكن لها ان تحول الباطل الى حق و لا ان تسوغ مالا يستسيغه العقل المفتوح و المنطق السليم.
قصة اللجنة ليست فقط تجاوزا صارخا لمبدا التنظيم الذاتي النصوص عليه في دستور 2011 و استصغارا واحتقارا للجسم الصحفي المعني بالتنظيم الذاتي، بل انها تكاد تكون الشجرة التي يراد لها ان تخفي الغابة، مادام الغرض المستعجل هو مراقبة حرية التعبير والتضييق عليها و حتى الدوس عليها عندما تدعو حاجة البعض الى ذلك. ذلك ان ما يسيئ للاخلاقيات، التي تقدم كمبرر ودريعة، ليس زيغ البعض عن اصول وقواعد ومواثيق اخلاق الصحافة في وضعنا، كما يعرف ذلك الخاص والعام وليس اهل المهنة وحدهم، بل الاساءة الاصلية والكبرى هي وضع اليد على الصحف، ووسائل الاعلام، و تسخيرها من طرف جهات تتوجس من الحرية و تتضايق منها و تنظر اليها على انها تهديدا للامن العام او لمصالح من يحتكرون الثروة والسلطة و يرغبون في تحويل البلد الى “ازريبة” يتصرف فيها الجميع بايقاع واحد و بالتقليد الحيواني (le mimétisme ).
انني اعرف ان هناك مصالح تتنازع لدى التعبير عن الموقف من اللجنة الحكومية، التي يمكن تسميتها باللقيطة دون مخافة مجازفة، و ان المبدا واستقلالية مهنة الصحافة ليسا رهانا اساسيا للكثيرين ممن نعرفهم جيدا، لكن ذلك لا يمنع من الدفاع عن عدد من المبادئ التي نعرف ان ضمورها في هذا الوقت، لان انهاء وجودها مستحيل وعودتها اتية لاريب، سيكون اسوا على الصحافة اليوم وغذا، اذ تتحول الصحافة الى زبالة اذا تم التحكم فيها تحكما كاملا و افتقدت للحرية التي تشكل الماء بالنسبة لها، و يتجنب الجميع روائحا النتنة ولا تخذم من يرون في اخضاعها و تقييدها انتصارا لهم على الحريات وانما تكشفهم و تجعل، وهذا هو الاهم، الفراغ الناتج عن غياب صحافة حرة، وقوى مجتمعية مستقلة ونابعة تلقائيا من المجتمع، خطرا يتجاوز ذلك الذي يتوهم ذوو العقلية الضيقة والمتخلفة عن زمننا هذا وعالمنا كما يتطور، فالطبيعة لاتقبل الفراغ كما يقال، والفارغون وحدهم يمكن ان يعتبروا العكس ممكنا.