*عمر أربيب
يبدو أن تغيير مدونة الأسرة من الناحية القانونية واعتماد اللغة المعيارية الحقوقية سهل للغاية لو خرجنا من منطق الفهم الضيق والمسيج بتوابث ومحددات خارج النسق القانون المدني العصري ، ففي واقعنا بما فيه التشريعي فالمسألة جد معقدة فغالبا المرجعية المعتمدة في مثل هذه القضايا من طرف المشرع يجعل الامر صعب ويحتاج إلى توافقات وتفاهمات قد تعصف بحقوق المرأة نظرا لاعتماد مرجعيات غير متجانسة ومتنافرة احيانا مما يجعل عملية تغيير المدونة ينتقل الى بعض الاصلاحات التي غالبا لن تمس الجوهر .
فالاعتماد على القيم الكونية والمرجعية الحقوقية الدولية كمرجعية لصياغة قانون مدني عصري ينسجم مع الوضع الدولي ويجيب عن تطلعات المرأة المغربية ، قانون مندمج مع الشعارات والبرامج الدولية والاقليمية المنادية بسد الفجوة بين النساء والرجال واقرار المساواة في جميع الميادين ودون تحفظ والقطع مع المرجعية الهجينة يشكل أهم المداخل لاحداث تغيير حقيقي على المدونة وقادر على وضع التغيير في مساره السليم ، لكن الارادة السياسية والارتكان للخصوصية سيشكلان كوابح حقيقية لذلك ونلمس أن العمل القادم لن يخرج عن جلباب وجبة المقدس لذلك فرهان التغيير الجذري للمدونة يبدو صعبا اذا ما اضفنا لذلك تراجع زخم ونضال القوى المدافعة عن الديمقراطية والمساواة الفعلية.
ورغم ذلك فإننا نعتبر التغيير المنشود يجب أن يؤسس على القواعد والمبادئ الحقوقية الكونية وفي طليعتها المساواة بين الجنسين، وعليه أن ينبني على مقتضيات المادتين 3و23 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، في الأسرة سواء قبل الزواج أو أثناءه أو بعد انحلال ميثاق الزوجة، كما يمكن أن يشمل الولاية المشتركة والمتساوية على الابناء والمسؤولية المشتركة على تدبير وتسيير شؤون الأسرة.
لكن تبقى هناك إنشغالات عميقة تتطلب الاجتهاد والتي لا يمكن حلها بنصوص قانونية جافة ما لم تكن مسنودة بمقاربة سوسيو- اقتصدية مرتبطة بالوضع الاجتماعي وكيفيات معالجته، بمعنى وجود حماية اجتماعية لكل مكونات الأسرة وقدرة الزوجة والزوج على الإنفاق بمعنى توفرهما على دخل يضمن سبل العيش الكريم ، فمسألة القوامة المترسخة في الذهنية والتي تجد سندها في الدين الذي يلحقها بالرجل تعتبر من لب الاشكالات التيوقد تعيق ضمان المصلحة الفضلى للطفل في حالة الطلاق كما أن التمييز القائم على الجنس في مجالات وقوانين أخرى يجعل من الصعوبة إقرار قواعد قانونية عادلة ومنصفة للمرأة.
وحتى نكون واضحين فأغلب الملفات المطروحة بعد الطلاق تتعلق بالنفقة وهدر المصلحة الفضلى للطفل الذي يكون اكبر الضحايا ،فنسبة كبيرة من الرجال يرفضون اداء النفقة إما بسبب العجز عن ذلك أو بسبب ما يعتبرونه مبالغة في تحديده، وبالتالي فالمشرع عليه أن يستحضر الكيفية التي يجب إعمالها للحفاظ على مصلحة الطفل وحقه في العيش الكريم وتمتعه بكل حقوقه الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن لائق ويحميه من عمالة الأطفال والاستغلال بكل اشكاله والاقصاء الاجتماعي وأن تضمن له العيش في كنف أسرته، وهذا لا يمكن أن يتم بما يسمى النفقة فقط بل يجب أن تتدخل الدولة لضمان الحقوق الإجتماعية غير القابلة للتصرف بالرفع من التعويضات العائلية عن الابناء وتحدد مسارها في حالة الطلاق بجعل المستفيد منها الحاضن والزامه بقوة القانون بتخصيصها لرعاية الطفل، كما أن على الدولة تعميم الرعاية الاجتماعية عن كل الأسر حتى فئة غير الاجراء والاجراء غير المصرح بهم لذى الضمان الاجتماعي.
ونعتقد أنه بدون حل اقتصادي واجتماعي لأوضاع الأسرة و لما يسمى النفقة وتحملات الدولة الاجتماعية لا يمكن الوصول إلى مدونة متوازنه على الاقل ضامنة للحدود الدنيا من المصلحة الفضلى للطفل والمرأة.
كما أن من ضمن القضايا الجوهرية التي يجب القطع أو تغييرها كليا بحثا على الملائمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة نحملها في :
●إلغاء جميع البنود التي تكرس التمييز بين الرجال والنساء داخل المدونة وحذف جميع الصيغ والعبارات التي تحط من كرامة المرأة.
● توحيد مساطر الطلاق وجعله في يد القضاء وعلى قدم المساواة بين الجنسين وجعل حق الانتصاف القضائي متاح للطرفين مع تسهيل المساطر وتوحيدها وجعل مدونة الأسرة تنص على المساواة عند حل ميثاق الزوجية تحت مراقبة القضاء، مع ضمان الإجراءات الشكلية والموضوعية كحق واحد غير قابل للتجزئة
● الغاء الاستثناء القاضى بتزويج القاصرين من دون 18 سنة و تغيير المقتضيات التي تحد من الأهلية القانونية للمرأة لتصبح مساوية للأهلية القانونية للرجل و منع تعدد الزوجات.
● التنصيص صراحة على أن أهلية الزواج وتحديده في 18 سنة كاملة بالنسبة للجنسين وإلغاء الاستثناء الذي أصبح قاعدة، ووضع نظام قانوني يضمن للزوجة والارملة جميع حقوقهما في الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية، الاعتراف بالعمل المنزلي كعمل منتج وإدماج نظام الكد والسعاية كحق مشروع للمطلقة والارملة وتنظيم شروط وضوابط الاستفادة منه والغاء الولاية في الزواج .
● تفعيل صندوق للتكافل العائلى والرفع من مخصصاته المالية وقيمة المالية للتكفل والتعجيل بتنفيذ الأحكام المتعلقة بالنفقة ومراقبة المرشدين القضائيين والاجتماعيين لمدى استفادة المحضون من النفقة مع ضرورة تمتيع الحاضنة بالتعويضات العائلية عن الابناء مهما كان وضعها في عالم الشغل .
●التنصيص على حق الأم في النيابة الشرعية على أبنائها إلى جانب الأب، واعتبار الأب والأم متساويين معا في الولاية القانونية على أبنائهما، ومعالجة الثغرات التي تعيق ذلك في حالة وجود منازعات بين الطرفين.
● تحصين حق الأم في الحضانة، مع اعتبار المصلحة الفضلى للطفل هي الأساس في كل نزاع حول مسألة الحضانة، وليس زواج الأم أو عقيدتها أو وضعها المادي والاجتماعي ، وتمكين الزوجة من تتبع إجراءات انتقال الأبناء في حالة الطرد من بيت الزوجية أو أثناء سريان مسطرة الطلاق من المؤسسات التعليمية وتمكين الحاضنة من مباشرة المؤسسات التي يتمدرسون بها أو تلك التي لها علاقة بالطفل وتتبع الإجراءات الإدارية والمالية للمحضون عند ثبوت مسطرة إهمال الأسرة والطرد من بيت الزوجية .
● حظر تعدد الزوجات وكذا حظر تزويج الطفلات واعتماد السن القانونية للزواج المحددة في 18 سنة للذكر والأنثى دون أي استثناء
● مراجعة منظومة الإرث بما يضع حدا للإجحاف في حق النساء ولهضم حقوقهن وتفقيرهن، وبما يتجاوب مع التحولات المجتمعية وأدوار النساء على اعتبار أن نسبة مهمة قد تتجاوز 20% من الاسر المغربية تعولهن إمرأة ، وذلك بإقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل في كل المستويات.
● التدقيق والحكم باقصى سرعة ممكنة في الجهة الكافلة للطفل لمواجهة بعض الاكراهات المرتبطة اساسا بحقوق الطفل سواء في التمدرس او التنقل مع أمه وغيرها .
● إعتماد الأساليب العلمية الدقيقة والخبرة الجينية لاتباث النسب وهذا يتطلب إعادة النظر في العديد من فصول مدونة الأسرة التي ترتبت عنها أحكام قضائية تنفي تبوث النسب رغم تأكيد الخبرة الجينية للعلاقة البيولوجية بالاب مع ترتيب كل الاثار القانونية والتحملات الاجتماعية بما فيها النفقة عن البنوة بالنسبة للاب البيولوجي.
● التنصيص على ضمان وتمتيع الطفل وبدون تمييز بكل الحقوق التي يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان بما فيها النسب والهوية أيا كانت ظروف ولادته .
●ضمان باقي الحقوق المدنية للمرأة في تساوي تام مع الرجل ودون تمييز، الإقرار بحق المرأة في الزواج بغير المسلم وإقرار حق المرأة في المساواة مع الرجل في اكتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها أو إعطائها لزوجها
● وإخضاع أية مخالفة لمقتضيات قانون الأسرة المرتقب لعقوبات زجرية.
إن الطريق طويل وشاق في قضية إقرار حقوق المرأة وضع قانون مدني عصري يقطع مع القداسة وا والخصوصية الدينية الحاضرة بقوة مما يجعل النص القانوني المنتظر غالبا متسم بالهجانة بين فصوله وقد تتنازع تناقضتها أحيانا مما سيفتح باب التأويل والذي غالبا لا ينتصر للحق بقدر ما ينتصر للنص الديني أو العرف التقليدي.
ونعتقد أنه ما لم يتم القطع مع تعدد المرجعيات وتفسيراتها المنتقاة والمنتصرة لفكر معين فإن التعديلات المرتقبة ستكون جزئية وغير مرضية للطيف المجتمعي ، و أنها لن تعالج الأساس في ذلك وهو : حقوق المرأة وفي مقدمتها المساواة ونبذ التمييز وحقوق الطفل ومصلحته الفضلى التي تبقى فوق اي اعتبار اديولوجي أو عقائدي.
*فاعل وناشط حقوقي.