*مصطفى المنوزي
في البدء لن أخفي تخوفي الشديد من إقصاء الأمازيغية عند التواصل بين السكان والمكلفين بالإحصاء ، ناهيك عن ضرورة إحصاء الناطقين بالأمازيغية ، ليس لتحديد عددهم فقط ، بل أيضا لتحديد مستوى ودرجة تفعيل ووقع دسترتها ، وبنفس القدر أعلن تضامني مع فئة التجار الصغار والمتوسطين الذين يعانون من المنافسة الشرسة وغير اامتكافئة من قبل المساحات الكبرى ؛ هذا مدخل قد يبدو للبعض ايديولوجيا ، غير أنني أؤكد عدم حيادية أي إجراء تدعو اليه الدولة ، فبغض النظر عن التحكم في الاستمارة من خلال أسئلة موجهة وتوجيهية ؛ فإن فترة إجراء الإحصاء لحظة لا يقين بالنسبة للدولة ومؤسساتها ، رغم تضخم المعلومات وضبطها وتصنيفها ، من قبل و لدى الأجهزة الأمنية المختصة ، ولكن بالنسبة للمعنيين حقا بتنمية الوطن وصناعة المواطن ، فاللحظة قد تكون فرصة سانحة ديمقراطيا /تشاركيا ( من باب تقاسم المعطيات ودمقرطة الولوج إليها ) ، لذلك نلاحظ أن بعض الأحزاب احتجت على عدم إشراك ” أطرها ” في العملية ؛ فالاحتكاك مع السكان فرصة للتواصل والتعاقد ، ولا تقل فائدة عن الحملات الإنتخابية الموسمية ، خاصة وأنه بالنسبة للدولة ومؤسساتها العمومية ستكون بمثابة استدراك تصحيحي لمدخلات ومخرجات السياسات العمومية ، بل فرصة للتقييم وتجريب تأكيد وملاءمة مقتضيات المشروع التنموي في العلاقة مع تكريس مطلب الدولة الإجتماعية . ليطرح السؤال من زاوية البحث عن الحقيقة العلمية كأفق لإبراز مؤشرات النماء و التطور الموضوعية ، في ارتباط وثيق وجدلي مع عناصر الثقة والأمن والإستقرار والخصاص الاجتماعي . من هنا فعملية الإحصاء لا يكفي أن تظل عملية دورية على رأس كل عشرية ، بل لابد من تمكين الجامعات والكليات ومراكز البحث العلمي من هذه الإمكانية ، من خلال اشتراط وتحفيز البحث الميداني لدى الطلبة والباحثين ، لأن القرار السياسي والاقتصادي والأمني والسيادي حتى ، يحتاج إلى جمع البيانات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تنطبق في فترة زمنية محدودة على كافة الأشخاص في بلد متعدد كالمغرب ، وتجميع هذه البيانات وتحليلها ونشرها وتعميمها ، بجميع اللغات المعترف بها دستوريا ، وحتى اللغات الأجنبية ما دمنا نعيش ونتعايش ضمن قرية عالمية واحدة ، وطبعا انسجاما مع توصيات هيأة الأمم المتحدة ، دون تجاهل أن الطلب على المعلومة كثيف وبإصرار غالبا ما يتم من قبل المؤسسات المالية والمنظمات الإقتصادية الدولية المتعاقد معها من قبل المغرب . لذا فإن المشاركة في عملية الإحصاء ضروري ، وعلى الهيئات السياسية والمدنية والأكاديمية أن تواكب العملية ونتائجها ، وتحرص على خوض معركة النزاهة والشفافية والدمقرطة في اقتسام المعطيات ما دامت الأدوار والرسالة هي صناعة المواطن واستشراف مستقبله ، مع كثير من التحفظ لأن تحرير الحقائق يحتاج إلى كثير من الكفاح والتضحية والإصرار ، حيث لا تغيير ولا تنمية ولا ديموقراطية دون الكشف عن الحقيقة وتقاسم عناصرها ، وقد عشنا خلال حالة الطوارئ وبالعين المجردة مدى هشاشة كثير من المنظومات وبنياتها ، ما عدا المقاربة الأمنية والتي احتكرت الحقائق بما فيها الحقيقة العلمية ، مما أثر على مسار الإنتقال ، فهل سيفرز الإحصاء حقيقة الإنتقال الديمغرافي وتأثيره على الخصوبة الوطنية أو النضج المواطنتي لا فرق ؟
*منسق المختبر المدني للعدالة الإجتماعية