نص تقديم الأستاذ محمد اليازغي لكتاب “الصحراء المغربية : الوحدة والتجزئة في المغرب العربي”:
لازلت أتذكر ظروف الأستاذ علال الأزهر وهو يغامر بكتابة مؤلفه حول “الصحراء المغربية: الوحدة والتجزئة في المغرب العربي” من داخل السجن المركزي بالقنيطرة. كان يريد الإجابة عن أسئلة ذات أهمية. فقد أراد الانتصار لوحدة المغرب الترابية. وهذا ليس بالأمر الهين. فاليسار والقوة التقدمية في كثير من الأقطار كان يطرح عليها الاختيار الصعب بين النضال الوطني والنضال الطبقي. وسبق لقادة كبار كحركات اشتراكية أوروبية وآسيوية أن وجدوا أنفسهم أمام هذا الإشكال، فالاختيار الإيديولوجي يدفع إلى إعطاء الأولوية للصراع الطبقي، في حين أن الارتباط بالشعب يفتح الأفق الرحب للوطن.
لم يكتفي الأستاذ علال الأزهر بطرح الموقف المبدئي بل قام بتسليط الإضاءات الفكرية والتاريخية والجغرافية على قضية الساقية الحمراء ووادي الذهب التي اعتبرها مصيرية بالنسبة للمغرب. الحق التاريخي للمغرب استمد قوته من معطيات التسلسل الزمني منذ القدم في المنطقة والتنوع والاختلاط البشري في مجموع المنطقة المغاربية.
دافع الأستاذ علال الأزهر عن الترابط الجدلي بين القضية الوطنية في وحدة التراب مع المسألة الديمقراطية وأكد أن تحرير الصحراء يمر عبر فتح الطريق أمام الشعب المغربي للتعبير عن إرادته في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وفند أطروحة عناصر من اليسار الجديد التي أعطت الأولوية للبعد الطبقي على حساب البعد الوطني في قضية الصحراء اعتبارا أن الأمر يتعلق بمجرد مناورة من طرف الحاكمين للالتفاف على الأزمة الداخلية. وأبرز أن هذا الموقف كان خطأ جسيما لأن المنتمين لذلك التيار لم يكونوا يميزون بين المبدئي والظرفي. فالوحدة الترابية هي موضوع الأمة بأكملها وليست موضوع الحاكمين، ومطالب الشعب يؤيدها التاريخ والمرجعية القانونية. وفند الأطروحة التي كان يتساءل أصحابها عن واجب الحركة التقدمية هو أن تساند البوليساريو الذي كان هدفه حلق بؤرة ثورية في جنوب المغرب لتغيير النظام. وعارض هذا الخط الانتهازي وانتصر للموقف الوطني للأحزاب الديمقراطية. وقد أكدت التجربة أنها كانت صائبة.
أوضح الأستاذ علال الأزهر جانب مهم ويتعلق الأمر بالمنظور الوحدوي القومي على صعيد العالم العربي وبالخصوص عدم الاهتمام بقضية الصحراء من طرف الفكر القومي العربي باستثناءات قليلة. وحلل الأرضية التي استمدت منها الدول العربية دعمها للمغرب وبقوة. وظل موقف الحكومة الجزائرية معزولا في عدائه إلى حد التدخل العسكري في الصراع مدعية وجود شعب صحراوي يعيش تحت الاحتلال واستعمار جديد ويريد تقرير مصيره. أما الجامعة العربية فالتوازنات السائدة وصعوبة إيجاد حل للنزاعات العربية جعلها خارج إطار لعب أي دور إيجابي. على العكس كان موقف الحركات الديمقراطية العربية لصالح المغرب في الغالب باستثناء بعض الأجنحة اليسارية المتطرفة.
لم يفت الأستاذ علال الأزهر تسليط الأضواء على تاريخ الصحراء القديم والحديث والتدخل الاستعماري الفرنسي والاسباني لذي عرض المغرب لعملية التجزئة لضرب مركزه التاريخي في التوحيد والوحدة. لكن هذا التدخل الأجنبي أدى إلى بروز ملامح شعور وطني بالمغرب وصحرائه، مع تصاعد الكفاح ضد الاستعمار وتجدره في مجموع منطقة المغرب العربي. وحصل المغرب على استقلاله لكن دون استرجاع كل المناطق المحتلة خصوصا في الصحراء.
المطالب باسترجاع الأقاليم المحتلة بالطرق السليمة تتناقض مع خطة جيش التحرير لهذا الاسترجاع عن طريق الكفاح المسلح. وبعد إدماج جيش التحرير في الجيش الوطني الرسمي أصبحت المطالب مطالب ظرفية إلى حين حاول فرانكو سنة 1974 خلق كيان في الساقية الحمراء ووادي الذهب تابع له. وعجل ذلك دخول المغرب في عملية الاسترجاع بانخراط الدولة وتعبئة شعبية علما أن التطورات داخل الصحراء أدت في السبعينات إلى قيام حركة للتحرير تزعمها الشهيد محمد بصيري وانتفض شباب صحراوي لتصفية الاستعمار في إطار الوحدة وأسسوا البوليساريو بقيادة الوالي مصطفى السيد. لكن تحالف الحكومة الجزائرية والحكومة الاسبانية دفع البوليساريو إلى الانخراط في اختيار الانفصال.
وحاول الأستاذ علال الأزهر الوقوف على حقيقة موقف الحكومة الجزائرية من استرجاع المغرب لصحرائه مع الخلفيات المتعلقة بمشكل الحدود بين البلدين والحق التاريخي واختلاف نظامي الحكم والنزوع نحو الهيمنة وتساءل عن ما هو مستقبل النزاع وهل هناك حل ممكن لتسويته بصفة نهائية، مع تأثير ذلك على السكان في الصحراء واللاجئين في تندوف، والتأثير على وحدة المغرب العربي. بالإضافة إلى أهمية وحدود التطورات التي حصلت في العلاقات بين المغرب والجزائر بما فيها قبول المغرب إجراء استفتاء وفشل منظمة الوحدة الإفريقية في إجرائه وقبول الجمهورية الصحراوية الوهمية كعضو في المنظمة.
نجاح المغرب في مراقبة حدود ترابه الوطني بعد إتمام الجدار الأمني غير الوضع العسكري نهائيا. وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر صارت الأوضاع في اتجاه إيجاد تسوية للنزاع في الصحراء ولمصلحة وحدة المغرب العربي. وهنا بدأت ملامح مبادرة الأمين العام ديكويلار من أجل السلام في المنطقة وإعداد لتحضير الاستفتاء في الصحراء.
وفي الطبعة الجديدة لكتابه أضاف الأستاذ علال الزهر قسما خامسا موضوعه “الصحراء المغربية بين الاستفتاء والحكم الذاتي”. فبعد أن أبرز الأسباب الموضوعية القاهرة التي حالت وتحول دون تطبيق مسطرة الاستفتاء بالصحراء، حلل مقترح الأمم المتحدة بعد موافقة الأطراف على وقف إطلاق النار وطرح الاتفاق الإطار الذي صادق عليه المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا والذي يجب أن ينتهي بإجراء استفتاء. لكن فشل المحاولة الأولى والثانية لجمس بيكر فتح مرحلة جديدة لحل سياسي بدون استفتاء. وهنا جاءت المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي وصفها مجلس الأمن بالجدية وذات مصداقية. وبتوصية من الأمم المتحدة عقد الطرفان سلسلة من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق. أما ظروف اللاجئين بتندوف فهي ظروف غير إنسانية ويشكل القادمون منهم من الساقية الحمراء ووادي الدهب أقلية ترفض الحكومة الجزائرية إلى اليوم تسجيلهم وإحصائهم.
وفي هذا القسم الجديد لكتابه أبرز الأستاذ علال الأزهر كيف أن الحفاظ على الوحدة الترابية داخليا تجسد في التضحيات الجسيمة للجنود المغاربة بين 1975 و1991 وتضحيات عموم الشعب المغربي والكلفة الاقتصادية والمالية للنهوض وتطوير المناطق الصحراوية، علما أن الاستفادة من ذلك تتفاوت بين المواطنين. ويعتبر أن انخراط المغرب في الاتحاد الافريقي بداية مرحلة جديدة وحاسمة لصالح الوحدة الترابية، وتهييئ الشروط المواتية لتصحيح موقف الاتحاد الإفريقي من الهيئة الانفصالية.