تقديم كتاب من غوايات المتفرد خوان غويتصولو إعداد وترجمة وتقديم محمد بوعابد .
عبد الصادق شحيمة
اختتم المترجم رحلته الفكرية مع بعض ما كتبه خوان غويتصلو بما كتب عنه وهو كثير ، مقترحا قراءة نقدية للمتنين الروائي المكتوب وللحوار الشفهي المسجل ،قامت بها أستاذة الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية بجامعة كولونيا بألمانيا الناقدة هيلير غولدنبرغ.
وتجدر الإشارة إلى أن المقال الأول قراءة متعددة في … جامع الفنا قد نشر في العدد الثاني من مجلة المنارة بحكم أن الشاعر إسماعيل المدير المسؤول عن المجلة هو من أمد المترجم بالنسخة الفرنسية طالبا منه تعريبها بهدف تعميمها ، كما نشر المقال في الإصدار الأول من منشورات الفرع الجهوي للنقابة المغربية لمحترفي المسرح جهة مراكش بعنوان جامع الفنا فرجة الأجيال.
وعن مضمون المقال تحدثت الكاتبة عما كتبه خوان غويتصلو عن ساحة جامع الفنا ضمن الكتابات التي اتخذ مؤلفوها من الساحة فضاء سرديا لمجموعة من الوقائع والأحداث التي سردوها ،وأظهرت كيف أن الكاتب لم يقف من الساحة موقف المتفرج المنبهر بل على النقيض من ذلك كان موقفه موقف المتفاعل المكتشف.
لقد انصب المقالان النقديان على رواية خوان غويتصلو المعنونة بمقبرة ، هذا النص الروائي الذي يتفاعل فيه ما هو واقعي بما هو إبداعي ،وينجدل فيها ما هو ثقافي بما هو تاريخي في علاقة مع ما سبق أن كتبه ،ومع ما كتبه غيره من روائيين غربيين ورحالة كانت الساحة موضوعا لإبداعهم .
إن الخلاصة الأولى التي يمكن الخروج بها من خلال هذا التقديم أن ترجمة محمد بوعابد قد وقعت على كاتب يمكن اعتباره كاتبا كونيا يشكل مدرسة قائمة الذات ،يصح أن ننعته بالكاتب المثقف المتعدد والمؤثر ،المساهم والفاعل والمتفاعل ،ولم لا بالمثقف العضوي الذي تدين له المدينة وساحتها بالشيء الكثير ، رغم التنكر الذي ووجه به من طرف بعض مثقفيها إن لم أقل انتهازيوها .إنه الكاتب الذي يتمتع بحمولات فكرية لا تهادن ولا تستجدي ، لا يخط إلا ما يؤمن به وينسجم مع قناعاته ،ولهذا فكتابات خوان تترفع عن الذاتي والظرفي ،وتنزع نحو ما هو كوني ،وهو ما لا يتأتى إلا للكبار ممن تشربوا بالأفكار التقدمية وفكر التنوير الإنساني .
أما عن الخلاصة الثانية فتتعلق بما تمت الإشارة إليه في التقديم والمرتبطة بفعل الترجمة عن الترجمة وبمقولة أن الترجمة خيانة. وبهذا الصدد أشير اعتمادا على مقارنة كنت قد قمت بها بين النص الأصلي الفرنسي لكتاب الزوكولوكومامبا، والترجمة العربية إلى أن ترجمة محمد بوعابد من الترجمات التي يمكنها أن تزيل الريبة وأزمة الثقة بين الترجمات والقراء ،فلم تأت الترجمة فعلا حرفيا ميكانيكيا أو وظيفيا ،بقدر ما صدرت عن هم جمالي لغوي ،تبدو فيه اللغة العربية المعتمدة في التعريب لغة دقيقة شامخة بعنفوانها تقلص من غربة النص المنقول والمترجم ، الشيء الذي يمكننا معه أن نتحدث عن شعريته ،هذه الشعرية التي لا تتأتى إلا لمن يحذق اللغتين ويقيم بينهما .
أما عن الخلاصة الثالثة فتتعلق بالتقاطع في طبيعة الفكر بين الكاتب خوان غويتصلو وبين المترجم محمد بوعابد ،وضمن هذا الإطار يقول المترجم في تقديمه “وقد قرأتها باستمتاع يمتزج فيه ما هو عقلي فكرا وثقافة بما هو وجداني روحا وموقفا ،وكأنني مريد غير معلن لشيخ صوفي يعلن مريديته الملامتية ويتمسك مثل سقراط بكونه أحد السالكين للسبل ارتقاء صوب استكشاف الأنوار عبر السؤال الاحتجاجي النقدي ……ص12 .
الخلاصة الرابعة تتعلق بكلمة لا بد منها في شأن عبور هذه المقالات إلى لغة الضاد ، والتي كان من الممكن أن تصدر سنة 2003 في حياة الكاتب بعد استشارته وموافقته ،إلا أن ظروفا حالت دون ذلك وبعد وفاة الكاتب سنة 2017 بأربع سنوات سيصدر الكتاب سنة 2021 مستهدفا تكسير جدار الصمت الذي أحاط بالوفاة ، ومنبها إلى ضرورة الاحتفاء بهذه القامة التي أنجزت بشكل مفرد ما عجزت أن تنجزه بله أن تفكر فيه دولة بكافة أجهزتها إذ ليس من السهل والهين أن تنتزع الساحة الفوز من بين أربعين ترشيحا ،اختير منها ثمانية عشر ترشيحا ، كان ذلك بفكرة جامع الفنا تراث شفهي إنساني أذهلت المدير العام لليونسكو عهدئذ –فدريكو مايور زارغوسا .
لتكن هذه الترجمة ممثلة لثقافة الاعتراف والعرفان ، وصرخة في آذان من وضعوا عوائق حالت بين استمرارية الجمعية التي أسس خوان غويتصلو –جمعية ساحة جامع الفناء .