آخر الأخبار

تقطير الزهر احتفاء بقدوم فصل الربيع -3 –

عبد الجليل بدزي

3/ عادة “تقطار الزهر” بمدينة مراكش:

وارتباطا بمدينة مراكش كمدينة سلطانية وشيوع هذه العادة بها، نذكر في هذا الصدد ظروفا خاصة منها: كثرة الحدائق والبساتين التي كانت تملأ فضاءات المدينة، والتي كانت تحتوي على العديد من أشجار (الأرنج) والبرتقال، مما يجعل المرء وهو يتجول في أحياء المدينة وشوارعها وأزقتها كأنه يطوف داخل مزهرية، ناهيك عن أن المساكن والدور كانت في غالبيتها عبارة عن (ارياضات) تتضمن مجموعة من هذه الأنواع من الأشجار، والنافورات، مما يضفي على المساكن مسحة من الأناقة والجمال البهي، فكان المراكشيون يستفيدون كثيرا من هذه الأجواء الطبيعية الرائعة، وذلك بالخروج للنزهات وإقامة الحفلات في الفضاء الطلق، مما جعلهم يعرفون الورود والأزهار بمسمياتها، وفوائدها، وزمن غرسها، ووقت ظهورها وما إلى غير ذلك، ومن الأزهار التي استفادوا منها كثيرا، زهرة (شجرة الأرنج)، التي استخلصوا منها ماء جعلوه مطهرا ومعقما وشافيا للأمراض حسب التصور الشعبي…

ورغم أن هذه العادة شارفت في المغرب عموما ومراكش خصوصا على الانقراض، وقل الاهتمام بها مقارنة مع الماضي الذي كنت تجد فيه (قطارتْ الزهر) من بين الأواني البيتية، وكل الأسر تهتم بتقطير الزهر سواء كانت فقيرة أو ميسورة أو متوسطة الحال، إلا أنه ورغم كل هذا، لازالت هناك بعض الأسر القليلة التي تهتم بهذه العادة وتحافظ عليها.

4/ الطقوس المواكب (لتقطار الزهر) لدى المراكشيين:

لقد اهتم المراكشيون كثيرا ب (تقطير/ أو تقطار الزهر)، ليستخرجوا منه “ما ازهر”، وقد كان افتتانهم بهذه العادة وتمسكهم بها قد وصل حدا جعلهم يدخلوا عليها طقوسا أحاطتها بنوع من التقديس، وأخذوا يتيمنون بها، ومن ذلك مثلا أن عملية جني (أزهار الأرنج) لا يمكن أن تتم إلا في أجواء طاهرة، حيث يبدأون بالفاتحة، ثم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعدها تبدأ النساء في إنشاد مجموعة من الأذكار والتوسلات تتخللها زغاريد فرحة وتبركا بهذه العملية، وبالطبع تجب الإشارة إلى أن عملية (التقطار) هي عملية تقوم بها النساء دون سواهن، لذلك لابد للمرأة أن تكون طاهرة حيث تتوضأ وتصلي هي ومساعدتها في العملية، ولابأس أن تضع بينها وبين الحضور حجابا هو عبارة عن إزار يعزلهن عن المشاهدة مخافة العين التي تقلل من (البركة)، ثم تبدأ العملية بقراءة الفاتحة، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك وأثناء كل مراحل (التقطار)، يلهج لسان النساء بالأذكار والتوسلات والأمداح، وهكذا، أما على مستوى التيمن بهذه العادة، فيكفي أن نشير إلى أن كل إنسان محظوظ نقول له (عندك الزهر) أو (أنت مزهار)، كما شاعت أسماء المواليد من الذكور والنساء مطابقة للأزهار، حيث يسمى الذكور ب (الزاهر/ زهير/ الزهراوي..)، أما الفتيات فيطلق عليهن اسم (زهرة/ ازهور/ ازهيرو/ الزهرة/ زهيرة)، كما لم تخل أسماء الأمكنة أحيانا من هذا المشتق كما هو الشأن بالنسبة ل (الزاهيرية) بأكدال، وهي بقعة كانت غناء جميلة جدا فيما مضى.