آخر الأخبار

تقطير الزهر احتفاء بقدوم فصل الربيع -4 –

عبد الجليل بدزي

5/ كيفية (تقطار الزهر) بمدينة مراكش:

“تقطار الزهر” عادة تتم بين الثالث من فبراير ونهاية شهر مارس، مؤكدين على أن العملية هي من أشغال البيت الذي تقوم به النساء خاصة، ولا مانع في أن يكون الرجل مساعدا إن أراد ذلك أو كانت الحاجة إليه ملحة، شريطة أن يلتزم بأوامر المرأة التي تقوم بالعملية، وقد أشرنا سابقا إلى أن العملية منذ مراحلها الأولى تبدأ بقطف الزهور من الشجرة، حيث تتوضأ النسوة وتصلين، وتفرشن إزارا أبيض نقيا على الأرض، ثم تقرأن الفاتحة، وتبدأن في قطف الأزهار مواكبات ذلك بالأمداح النبوية والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض الزغاريد بين الفينة والأخرى، وعندما يجنين الكمية المطلوبة، يحملنها إلى بيت لا تدخله أشعة الشمس، ويغطى بإزار آخر من يومين إلى ثلاثة أيام، ثم يؤتى بالقطارة، وهي إناء من نحاس أحمر مكونة من ثلاث قطع وهي:
ــ البرمة: وهي القطعة السفلى التي يوضع فيها الماء وحبات من الزهر وبعض ثمرات الأرنج، وتوضع مباشرة فوق النار.
ــ الكسكاس: وفيه توضع حبات الزهر حسب المقدار المرغوب فيه، علما من أن الكيلو الواحد من الزهر يمكن أن يستخلص منه ما بين لتر إلى لترين من ماء الزهر، ثم يمر منه البخار إلى الأعلى.
ــ الرأس: وهي القطعة الأعلى، وفيها يوضع الماء البارد لأجل التحول، ويكون فيه أنبوبين، الأول في الأعلى تخرج منه قطرات ماء الزهر لتسقط في الزجاجة، والثاني مقابل له لكنه في أسفل الرأس، وذلك لإخراج الماء الحار وإضافة الماء البارد.
ثم نجتاج إلى ثوب أبيض نقي شبيه بالحزام يعرف في مراكش ب (القفال)، يوضع بعد أن يبلل بالماء كوسيلة لإغلاق الفتحات التي تكون بين قطع القطارة خوفا من أن يتسرب منها البخار.
أما القنينات التي تسقط فيهن قطرات ماء الزهر، فتكون إما ذات لون أخضر أو بني، ولا يجب أن تتعرض لأشعة الشمس حتى لا يفقد الماء رائحته الزكية المعتقة، وزيادة في الحفاظ على هذه الرائحة، توضع قطعة من الثوب فوق الأنبوب وفم الزجاجة حتى لا يتعرض الماء لأشعة الشمس، وبعد أن تمتلئ القنينة بالماء وحفاظا على رائحتها، تغلق بالفلين، وتخزن في مكان مظلم.
إن عملية التقطير دقيقة جدا ومعقدة جدا، تحتاج إلى دقة ونباهة وصبر، أشياء لا توجد إلا في المرأة، فلا يجب لماء “البرمة” أن يجف، ولا يجب لماء الرأس أن يكون حارا ساخنا، وإلا فسدت العملية، لذلك على المرأة المكلفة ومساعدتها أن تحافظا معا على ماء الرأس باردا بإفراغ الماء الساخن وإضافة الماء البارد بين الفينة والأخرى.

6/ الخلاصة:

إن من الملاحظ اليوم أن هذه العادة مشارفة على الانقراض، وذلك لعوامل أهمها:
ــ عدم العناية بالمجالات الخضراء التي زحف عليها العمران، فأحالها إلى بنايات دون الاهتمام بهذه الأغراس التي تعد الرئة التي تتنفس بواسطتها المدن.
ــ ظهور بدائل كيماوية مضرة لتقطير الزهر ليست بنفس الجودة ولا الفعالية التي كانت لماء الزهر في الماضي.
ــ غياب وعي بأهمية الاهتمام بمثل هذه القضايا لدى المسؤولين على الشأن الثقافي والاقتصادي داخل الجهات المعنية بهذا الأمر، وكذا المجالس المنتخبة، والجمعيات المهتمة، الشيء الذي جعلهم يبتعدون عن العمل على إحياء هذه العادة الأنيقة والتي حتما ستوفر فرص شغل وتذر مداخيل تنفع المدينة وساكنتها والمشتغلين بها، وذلك عن طريق إقامة مهرجانات حقيقية تهتم بهذه المناسبة، والتعريف بها والاهتمام بالمشتغلين بها، مع مساعدتهم على الاستمرار في عادتهم الحميدة بمساعدتهم على بيع منتوجهم والاستفادة من أرباحه.