آخر الأخبار

تلفزيون الإحباط يبرمج القلق

إدريس الأندلسي

تعودت فئات كثيرة من الجمهور المغربي على متابعة بعض الأعمال الدرامية خلال شهر رمضان. قد يختلف الناس على القيمة الفنية للمسلسلات ، و على أداء الممثلين، و على مستوى حبكة تطور الأحداث و جودة الحوار، بالإضافة إلى جودة التصوير و الإخراج، و لكن إنتاجات رمضان لهذه السنة تكاد تستقطب أعلى درجات عدم الرضا لدى الجمهور. حاول مبرمج و منتج هذه المسلسلات تقديم أعمال جزء منها ذو طابع كوميدي ، و الجزء الآخر ذو طابع درامي مع تركيز على العنف ، و تصوير واقع بعيد نسبيا عن الممارسات الحقيقية لمجرمي سرقة المواشي و تجار المخدرات. و وصلنا إلى عقم حقيقي في مجال الكوميديا التي يتحملها الجمهور المغربي الذي تعود على أعمال اضحكته و أدخلت السرور إلى نفسه. توالت حلقات الكوميديا دون أن تصل إلى ما سبق أن تم تقديمه في ماض قريب. غابت وجوه الكوميديين “الافذاذ” الذين احببناهم حبا “جما” ، و غابت معهم القدرة على بعث البسمة و البهجة في للنفوس.
وهكذا شاهدنا مسلسل ” الدم المشروك” الذي قدم مشاهدا تصور واقعا و صورا عن ممارسات ليست كلها مغربية. توجد ظاهرة الفراقشية لكنها لا تصل إلى حد السيطرة على السوق ، و على المسالخ العمومية و على الفضاء العام في غياب تام لتدخل أجهزة الأمن. و شاهدنا كذلك مسلسل” الشرقي و الغربي” الذي حاول فضح جرائم تجار المخدرات و علاقتهم بالعنف، لكنه تجاوز حدود المبالغة في تصوير ممارسة نشاط إجرامي بعيدا عن أعين المراقبة الأمنية. شاهدنا كثيرا من الجرائم وصلت إلى حد القتل و الاحتجاز، و الحرق ، و السرقات المتكررة دون أي تدخل للسلطات الأمنية. و يمكن القول أن الدراما تتطلب بعض المبالغة، و لكنها تحتاج إلى كثير من الالتصاق بالواقع المعاش. و كل من يعيش في البوادي و على هوامش المدن يعرف أن عين السلطة حاضرة، و ترصد بإستمرار تلك الحوادث التي تقع في كافة الدوائر الترابية. و لا يمكن أن ننكر الإبداع الذي طبع أداء الممثلين و الممثلات، كما لا يمكن أن لا نسجل التطور الذي عرفه مجال الإخراج و التصوير و الذي في كثير من الانتاجات.
و لا أعرف الغاية من تقديم أعمال رمضانية رفعت مستوى الكآبة لدي الكثيرين، و قد تكون قد ” رسخت ” ، لدى البعض، فكرة الإفلات من العقاب بعد اقتراف جرائم كثيرة. يعرف الجميع أن نهاية المسلسلات تشهد، كالعادة، تدخل سلطات الأمن لاعتقال الجناة. و لا يدوم مشهد الاعتقال سوى دقائق قليلة و غالبا ما يقترن مع بداية جينيريك ختام المسلسل. و لا يمكن عزل إنتاج مسلسل عن المناخ العام للمجتمع المغربي ، و الذي يتميز بضغط على القوة الشرائية و بزيادة أزمة حكامة في قطاعات كثيرة و مناخ دولي غير آمن إقليمي و دوليا. و نرجع في الأخير إلى دور الفن التثقيفي و الترفيهي و النقدي و رصد الواقع ليس كما هو فقط، و لكن من خلال الإبداع المتميز الذي يرفع درجة التلقي و التفاعل لدى الجمهور. و يظل شهر رمضان، كما تعونا عليه، فرصة لعرض الإبداع الذي يعكس جزءا من الواقع، و يدخل البهجة في النفوس. و يظل الأمل أن يشهد رمضان المقبل، إن شاء الله، أعمالا أكثر جودة و وقعا على النفوس.