تمهل أستاذي جلالي…!
فأنت جدير بالتقدير والإحترام.
وجدته بالمقهى جالسا يتأمل الواقع بعين رجل خبر الحياة وسبر أغوارها ، أعلم جيدا تقديره الشخصي لي وأننا تقاسمنا لحظات لايمكن نسيانها،كثير من المرات يهاتفني ليسأل عن حالي في التفاتة نبيلة ، وأحايين أخرى أزوره في العمل لنتبادل الحديث حول الوضع ومشاورات في مواضيع مختلفة
مصدق جلالي ،رجل ترك وراءه أثرا طيبا حافلا بالأحداث بصم فيه على مسار مهني جيد ، ليس بالسهل أن تنجح لثلاث عقود من العمل الدؤوب والتواجد الفعلي في كل محطاته ومعها حضور متميز في أنشطة ذات بعد إنساني وإجتماعي بامتياز. كلما شاركت أو حضرت محطة نضالية ذات بعد حقوقي أو نقابي أو جمعوي في ساحة باب دكالة أمام أقواسها الشامخة الشاهدة على تاريخ حافل أو بساحة جامع الفناء أو بساحة الحارثي بجيليز حاضر في كل المحطات
تجده في الصفوف الأمامية لا يخفي انتماءه أو تعاطفه ودعمه لكل الأنشطة التي ترافع على الطبقة المسحوقة والمقهورة من الشعب. مناضل لايتأخر في الحضور والمساندة هكذا هو مصدق جلالي يتنفس نضالا ولا يتأخر في كل المحطات التي تستدعي حضوره.
ليس بالسهل تجاوز تلك اللحظات الحميمية التي تقاسمناها فللمعلومة فقط فهي ترجع لعقد ونصف منذ أن وجدته ذات خريف 2005 أمام باب الإدارة بسحنته التي توحي بصرامة بادية على محياه كموظف بالأكاديمية وهو يسهل دخول مرتفقين للمثول أمام أنظار المجلس التأديبي بعد ما ينادي بالأسماء. لكن المثير ما إن تبادله التحية وتجالسه حتى تستأنس بحديثة. هكذا هو الأستاذ المصدق جلالي رجل متواضع خفيف الظل لكنه لايقبل الهزل في مواقع الجد والمعقول. كنت حينها حاضرا لأدافع عن رجل تعليم وقع عليه حيف وشطط من الإدارة. تكررت لقاءاتنا في مواقع عديدة لكنها ترسخت وتعمقت حين أصبحت ممثلا لنساء ورجال التعليم وعضوا باللجن الثنائية بالمجلس التأديبي عن فئة الإبتدائي (2015/2009). ست سنوات مرت بسرعة كالطيف لكنها تحمل في ثناياها أحداثا لايمكن نسيانها لأنها بقيت راسخة في الذاكرة لقوتها وتميزها. أنشأنا علاقة تجاوزت الحدود العادية.فهو رجل مبدئي يستند في شخصيته و الكاريزما التي يتمتع بها على قوة شخصيته. كثيرة هي الأحداث التي تميزت بها علاقتي بالرجل لكنني مدين له بتصريح صادق وجرئ في واقعتين تقدما تعريفا مقتضبا على من يكون المصدق جلالي لمن لايعرفه ؟
للمعلومة أولا: شخصية مقالنا هذا ممثل للإدارة في المجلس التأديبي وفي كثير من الحالات والتدخلات كان يقف إلى جانب القانون والإلتزام بتطبيقه ويحارب التدخلات ولغة الوصاية والزبونية بل و بفطنته يكتشفها قبل انعقاد المجلس ويتصدى لها وهذا أمر ساهم في تقوية علاقته بممثلي الموظفين و الغريب في الأمر أنه عوض الإحتفاظ به والإبقاء عليه لجأت الإدارة في خطة خبيثة ماكرة إلى التخلص منه في إطار مايسمى ب “الترميم ” كإجراء لتصفية المناوئين حيث أزاحوه من لائحة ممثلي الإدارة مما زاد من تعاطفنا معه بل واحترامنا وتقديرنا له.
المعلومة الثانية : شكلت لجنة فتح تحقيق للوقوف على حقيقة بعض المعلومات تخص مؤسسة بعينها على ما أذكر بمديرية الحوز ،وهو يقوم بدور المستقصي والباحث عن المعلومة لم يغفر لمسؤول تهاونه في القيام بعمله بدعوى لم يبق بينه وبين تقاعده سوى 6 شهر قائلا له بالحرف :
“الموظف الملتزم الذي يحترم نفسه لا يتخلى عن واجبه ولو بقي بينه وبين تقاعده ساعة ، لاسيما أن أخطاءك ترتب عنها ضياع حقوق الآخرين، لقد تخليت عن واجبك أستاذ وهذا تقصير منك. ”
صورتان وحالتان من صور وذكريات كثيرة لايتسع المجال هنا لذكرها كلها، دون أن ننسى مؤازرته الإجتماعية والإنسانية للمرتفقين.
فعلا ستترك فراغا في ركن ملحق إدارة أم عمار حين كنا سويا نتبادل الحديث في أمور شتى ولن أنس استشاراتك لي فيما يعزز الثقة بين صديقين وتبادل الرأي. لن أمش بين الممرين برفقتك وأنت تودعني إلى باب المؤسسة في احترام وتقدير متبادلين بين رفيقين. لن أصعد الدرج الخلفي بعدما إستدعيتني لتقاسم لحظة حميمية ونحن نشرب كأس شاي رفقة إخوة نعزهم مثل سي الحراثي ومادون وعبد الفتاح زاكي والاخوات ومنهم من غادرنا مثل سي عمر رحمه الله .
هكذا هي سنة الحياة سنغادر مكان العمل الذي عمرنا فيه لردح من الزمن الطويل لكن السؤال:
بأي طريقة ؟
وماذا تركنا وراءنا ؟
ذ المصدق جلالي كما عرفته، ( مقتطف من علاقة إنسانية ) .
إدريس المغلشي