يتطلب تمويل الإصلاحات والمشاريع المقترحة في النموذج التنموي الجديد، بحسب ما جاء في التقرير الاقتصادي والمالي لمشروع قانون مالية سنة 2022، تمويلا عموميا إضافيا يقدر بحوالي 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنويا خلال مرحلة الانطلاق (2022-2025) وحوالي 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق سنة 2030.
تعبئة الإمكانات الضريبية
ولتحقيق ذلك، ستتم، بحسب الوثيقة ذاتها، تعبئة الإمكانات الضريبية من خلال إصلاح عميق للنظام الجبائي؛ إذ بات المغرب مدعوا لاعتماد سياسة جبائية أكثر فاعلية من خلال تفعيل التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات المنعقدة سنة 2019، والتي تم تبنيها في التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد وإقرارها بموجب القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان.
ومن المنتظر، وفق معطيات التقرير، أن يمكن تفعيل هذه الإصلاحات من تحسين العدالة الضريبية وتوسيع القاعدة الجبائية ودمج القطاع غير المهيكل، بالإضافة إلى ترشيد النفقات الضريبية.
وبالإضافة إلى الإصلاح الضريبي، ستمكن مواصلة الإصلاحات الميزاناتية التي أطلقها المغرب من تحرير المجال الميزاناتي الضروري لتفعيل النموذج التنموي الجديد؛ من بينها تلك المتعلقة بالقانون التنظيمي لقانون المالية وبإصلاح نظام المقاصة وبهيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية.
وترى الحكومة أن مواصلة تفعيل القانون التنظيمي لقانون المالية سيمكن من تحسين فعالية الاستثمار العمومي وتقوية أثره في ما يتعلق بالإدماج الاجتماعي والمجالي، كما هو منصوص عليه في النموذج التنموي الجديد، وتوفير هوامش في المجال الميزاناتي من خلال ترشيد النفقات العمومية.
وفي ما يتعلق بإصلاح صندوق المقاصة، أبرز التقرير أن المغرب شرع في عملية إصلاح تدريجي لنظام الدعم والذي كان يهدف في مرحلة أولى إلى تقليص كلفة المقاصة وتخفيف أثرها على ميزانية الدولة، مع توفير موارد مالية يمكن إعادة توجيهها لتنفيذ إصلاحات جديدة، أما المرحلة الثانية فتهدف إلى التحرير الكامل للقطاعات المدعمة وتشجيع المنافسة الحرة في أسواقها.
كما تعد إعادة توجيه نفقات المقاصة لتمويل إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، بحسب مشروع قانون المالية، من بين حلول التمويل التي نص عليها النموذج التنموي، ما يستدعي مواصلة إصلاح نظام المقاصة من خلال إلغاء دعم غاز البوتان وكذلك المنتجات الغذائية بما في ذلك السكر ودقيق القمح الطري، مشيرا، في المقابل، إلى أن هذا الإصلاح مرتبط بتفعيل السجل الاجتماعي الموحد الذي سيمكن من استهداف المستفيدين من البرامج الاجتماعية.
تنويع مصادر التمويل
من جهة أخرى، سيمكن إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية من تحسين دور الدولة كمستثمر، ومن توفير مجال ميزاناتي لتمويل النموذج التنموي الجديد، وذلك من خلال توفير موارد إضافية للمؤسسات والمقاولات العمومية، وترشيد التحويلات اتجاه هذه المؤسسات مع ضمان خدمات عمومية تجمع بين الجودة والربحية، مما سيقلل من مخاطر عدم القدرة على تسديد الديون المستحقة من طرف هذه المؤسسات والتي تضمنها الدولة.
تنويع مصادر التمويل، من بين المرتكزات الأساسية لدعم المشاريع التنموية التي جاء بها النموذج التنموي الجديد، إذ أكد التقرير المرتبط بمشروع قانون المالية، أن التمويل العمومي سيظل يواجه إكراهات شديدة على المدى القصير والمتوسط، حتى في ظل فرضية اتباع سياسة ميزاناتية مرنة واللجوء إلى الدين على النحو الذي أوصى به النموذج.
ولذلك، ترى الحكومة أنه من المناسب إعطاء أولوية أكبر للمقاربات القائمة على تكامل أفضل بين القطاعين العام والخاص، من أجل الحد بشكل كبير من الضغوط على مديونية الخزينة، وخاصة الحفاظ على استدامة التوازنات الماكرو-اقتصادية والمالية.
وسيتطلب هذا التوجه، بحسب المصدر ذاته، توسيع المجال للاستثمار الخاص من خلال فتح قطاعات مهيكلة للمنافسة، وتعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني للاستثمار الخاص من خلال مساهمة صندوق محمد السادس للاستثمار كشريك للاستثمار الخاص، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص