رحمان النوضة
ونرى العديد من بين مالكي المقاولات، يذهبون لِغَزْو المؤسسات السياسية، لكي يُصبحوا مسؤولين مَرْمُوقِين في هيئات سياسية مثل “الجماعات المحلّية”، أو البرلمان، أو وزارات في الحكومة. وهدفهم السري هو الاغتناء السَّريع وغير المَشْرُوع، من خلال تضخيم رأسمالهم الخُصوصي، عبر استثمار أو استغلال سُلُطَات هذه المؤسسات السياسية أو العمومية. لكن “مُجتمع المواطنين” يختلف جذريًّا عن “المُقاولة الرأسمالية”. بمعنى أن إدارة أشخاص مأجورين، خاضعين وَمُسَيْطَر عليهم (داخل مُقاولة رأسمالية)، يختلف تمامًا عن إدارة مُجتمع يحتوي على ظواهر مُجتمعية، غير معروفة، وغير قابلة لِلتَوَقُّع، بالإضافة إلى وجود مواطنين طَمُوحِين، وَمُتَناقِضِين، وأحيانًا غير عَقْلَانيين. فإذا كانت لِشَخْص مُحَدَّد خِبرة في التجارة، أو في الصناعة، أو في الخدمات، فهذا لا يُثبت أن هذا الشخص يَـكْتَسِبُ، تَبَعًا لذلك، خبرة مماثلة في ميدان السياسة. وبدون اِكْتِسَاب تَـكْوِين علمي، جِدِّّي ومُعمّق، حول المُجتمع والسياسة، يَستحيل فَهم المُجتمع (المدني) ، ناهيك عن إدارته.
وقد أصبحت «علاقات اِقْـتِرَاف المُحَرَّمَات» (relations incestueuses) بين «الثروة الاقتصادية» و«السلطة السياسية» ظاهرة واضحة، وغير لائـقة، وغير مُشَرِّفَة. في حين أن نجاح الشخص في الاقتصاد، لا يثبت أن هذا الشخص يمكن أن يكون ناجحًا أيضًا في السياسة. ويعتـقد رَجل الأعمال الملياردير القوي، مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب (Donald Trump)، أن ثروته تجعله لائـقًا لقيادة مُجتمعه، وحتّى كلّ العالم. لكن الكثير من الناس حول العالم يعتبرون دونالد ترامب «غبيًا»، أو «غير مُثَـقَّـف»، أو «مُتخلّف»، في ميدان السياسة.
في كل بِقَاع العالم، أفرغت الرأسمالية «الديمقراطية التمثيلية» من محتواها «الديمقراطي» المزعوم. وأصبح التأثير على الانتخابات العامة أمرًا سهلًا، بواسطة قُوّة المال. إِلَاهُ «المَال» يفتح جميع الأبواب المُغْلَقَة، وَيُحَـقِّـق جميع الأماني، ولو كانت محظورة، أو حمقاء. وفي كل الانتخابات العامّة، يَنجح المُرَشَّحُون الذين هم الأكثر غِنًا. وتبقى الاستثناءات نادرة جدًا. ويمكن التلاعب بسهُولة بآراء المواطنين المُؤَهَّلين لِلتصويت، بواسطة المَال، أو «الهَدَايَا»، أو الدِّعاية، أو الأجهزة الأَيْدِيُولُوجِيَة، أو وسائل الإعلام، أو من خلال تنشيط حملات انتخابية صَاخِبَة. ولا يقدر على الفوز في الانتخابات العامّة سوى أولئك الذين يستطيعون تمويل الحملات الانتخابية الأكثر صَخَبًا وَتَـكْلُفَةً. فَيَظْهَر أن «ديمقراطية» الرأسمالية هي «ديكتاتورية البرجوازية الأنانية». وكلّما مَارَس مُقَاوِل (مَالِكُ مُقَاوَلَة) مسؤوليات في إحدى مُؤسـسات الدولة (أو كلّما كان مُوَظَّف مسؤول في الدولة يحمل في نفس الوقت صِفَة مُقَاوِل)، فإن أَنَانِيَتَه تَطغى عليه، ولا يَتَرَدَّد في استغلال سُلطته الإدارية لتضخيم ثَرْوَتِه الشخصية، وَثَرْوَة حُلفائه. بل يمكن لهذا المُقاول أن يرتكب جرائم، أو أن يَتَسَبَّب في كارثة للشعب. لكن في معظم الحالات، الشعب يُعانِي، ولا يستطيع الرَّدَ، لاعتبارات مُجتمعية عَدِيدَة.
من وقت لآخر، تَحدث مُحاكمات لِكِبَار المسؤولين في الدول الغربية التي يُوجد فيها حَدٌّ أدنى من «دولة القانون». فَلماذا لا يَـقْـتَـدِي المغرب بِمَا هو ممتاز في الدول الغربية؟ يجب أن تنص قوانين المغرب على ضرورة وُجود فَصْل واضح بين «عالم الأنشطة الاقتصادية» وعَالم «المؤسسات السياسية» للدولة، مع مَنْع الجَمْع بين «الثروة الاقتصادية»و«السلطة السياسية».