آخر الأخبار

ثقافة العفو الملكي و ميزان حقوق الإنسان 

إدريس الأندلسي

لا توجد حقيقة مطلقة في مجال تدبير الإختلاف السياسي  و الحقوقي  و الديني. علمنا التاريخ الحاضر  و الماضي أن النسبية هي القاعدة.  و يظل المطلق  من حقيقة أو ممارسة إجتماعية  أو سياسية  أو  ايديولوجية مؤقت الحضور  و السيطرة  و الفعل في  القرار السلمي أو  العنيف. كان السجن  و لا زال مؤسسة في قلب منظومات الدولة الحديثة في كل بقاع العالم .  و لم  يخطا  الفيلسوف الفرنسي” فوكو ” حين شحذ كل اسلحته المنهجية         

  لاستنباط قواعد  مؤسسة السجن  و فشلها في محاربة  ” الجريمة  و السلوك المنحرف” . و خلص إلى أن  هذه المؤسسة، التي تعاقب المخالفين لقانون وضعي  يهدف إلى  تقويم سلوك   صنع نوع من الاستقامة،  أصبحت تصنع عكس ما كانت تهدف إليه.  و ستظل العقوبة السجنية أهم ما وصل إليه الإنسان الماسك بدواليب التوازنات الإجتماعية و السياسية. و تظل القاعدة هو أن السجن لا يصنع المعجزات. حين يخرج منه الصحافي يظل صحافيا،  و حين يدخله المناضل السياسي يزداد إيمانه بالنضال،  و حين يدخل المرتشي  و السارق  و المغتصب، يخرج منه  و قد تفاقمت في نفسيته عوامل العنف و الإنتقام.  و تظل إعادة التربية  و إعادة الادماج أهدافا سامية  و لكنها ذات أثر متواضع على واقع صعب اسسته سياسات عمومية  و سلوكات مؤسساتية. 

فرح الكثير من المواطنين المغاربة المرتبطين بقضايا وطنهم  بالقرار الملكي الذي قضى بالأفراج عن مجموعة من المعتقلين، ذوي رأي،  في ممارسة السياسة  و في تدبير مؤسسات ترابية  و قضايا تهم نوعية التعامل مع المال العام. و لا زالت الانتظارات كبيرة في هذا المجال لكي يزيد وهج بلادنا حقوقيا،  و لكي يعود وضع المغرب الحقوقي إلى  ما كان عليه خلال أعياد تدبير العدالة الإنتقالية.  الأمر صعب  و يتطلب النفس الطويل  و الهدوء السياسي من طرف الجميع. يجب أن يعمل كل الفاعلين على فهم خريطة ترتيب الأولويات. لا يمكن أن نوازي بين أفعال إجرامية وقعت في  اكدم إزيك  و كتابات صحفية تهم الممارسة السياسية داخل المؤسسات. 

يجب على كل الفاعليين الجمعويين  و السياسيين  و الصحافيين أن يظلوا أكثر التصاقا بمرتكزات الوطن.  و يجب عليهم جميعا أن يكونوا سندا لحماية الحقوق  و الحث على القيام بالواجبات. تشكل الصحافة  و جمعيات المجتمع المدني حصنا لصد هجوم بعض المتسللين إلى المؤسسات  ضد مصالح الوطن. يجب على الجميع أن يشكل تحالفا مجتمعيا لصيانة الديمقراطية  و الترافع لفضح أعداء البلاد من المرتشين  و من المنتفعين من اقتصاد الريع  و من سوء تدبير مؤسسات الحكامة ببلادنا.  كل ما سبق ينبع من روح دستور  2011.

قرر ملك البلاد أن يرفع شأن البلاد منذ أول يوم من توليه مسؤولية الأمانة الكبرى بالبلاد.  و سارت  وراء عزيمته  و ارادته كل مكونات الشعب المغربي.  قال الشعب بكثير من الوعي التلقائي ” ملكنا واحد محمد السادس “. و شعر الجميع بدفيء العلاقة بين ملك  و شعب.  و لكن قلة من المستفيدين من الريع  شعروا بخوف على مصالحهم  و وجدوا في ولوج ممارسة السياسة، عبر المجالس الترابية و المؤسسات العمومية، مواقعا للتشويش على مسار ثوري قاده ملك البلاد. لكن الإرادة الملكية ظلت ممسكة بالقرار في مجالات الإستثمار العمومي  و التنمية رغم كل ما كان يحاك داخليا  و خارجيا للحد من طموحات البلاد . و يظل الشأن المهم  و المركزي في سياسة بلادنا هو الإستمرار في مسيرة البناء الديمقراطي  و التنموي  و الحقوقي بوعي كبير.  أعداء الديمقراطية هم أعداء التنمية،  و هؤلاء هم أعداء الوطن . و لقد انفرجت الأسارير فرحا بخروج ثلة من محبي وطنهم من السجن  وسيزداد الفرح مع العفو عن شيخ المعتقلين  و كل من أخطأ في التعامل مع معطيات في زحمة الرسائل السريعة داخل فضاء أزرق مخيف  و كثير منه شائعات  و كذب  و صنع لكذب في شكل حقائق. الحليم يصنع السلم  و الطمأنينة  و يغظ الطرف  و يحيي الآمال في غد أفضل.  و على ألله التوكل في الأول  و في الأخير.