لله مراكش الغراء من بلـــــــــد وحبذا أهلها السادات من ســــــكن إن حلها نازح الأوطان مغترب أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطن بيتان من اروع ما قيل من شعر في وصف مدينة مراكش العامرة،كلما ذكرتهما إلا واشعر معهما بدفق عاطفة تتخللها اجمل المعاني والخصال التي تتصل في عمقها بالبعد الإنساني الذي يشمل الغريب عندما يحل بوطن آخر غير وطنه،خصوصا إذا كان هذا الوطن مدينة عريقة كمدينة مراكش التي جمعت ضمن مواصفاتها بين جمال الطبيعة وسحرها،وخصائص الكرم الذي يطبع أهلها من الساكنة النبلاء الطيبين، فكانت بالفعل أرض السنى، وأرض والبهجة التي تبهج العين وتسر القلب،وتبعث الاطمئنان والأنس في نفس النازح المغترب الذي يحل بها، فيشعر وكأنه في وطنه بين أهله وخلانه،هذا،وإلى جانب آخر يتعلق بالحمولة التاريخية العظيمة التي تمتاز بها مراكش،عاصمة التاريخ ومدينة الملتقيات ومنطلق المسيرة الخضراء المباركة،ومهد الحضارة المغربية التي ظلت تشد إليها الأنظار،وتستقطب إليها الأجانب من كل بلاد المعمور،كل هذه المقومات الأصيلة قد جعلت من مراكش مدينة للسلام منذ عام 1986، وفي إطار الاهتمام بمآثرها التاريخية ومبانيها العريقة قد تم تصنيفها دوليا تراثا إنسانيا منذ عام 1996،كما حظيت ساحتها الدولية جامع الفنا بتمييز عالمي جعل منها تراثا شفويا إنسانيا منذ عام 1997،وقد كانت أول ساحة دولية تحظى بهذا التقدير،ومع هذا التمييز أستحضر مجموعة من الإصدارات التي تناولت موضوع ساحة جامع الفنا كل من زوايا قيمة مختلفة كما تناولها الأفاضل الأجلاء:الاستاذ عبد الرحمان الملحوني،الأستاذ عبد الرفيع جواهري، والأستاذة مالكة العاصمي،هذه الإصدارات القيمة لهؤلاء الفحول من أرباب الأقلام الجادة والرصينة قد كانت بالفعل إبداعيات جادة تستهدف كشف بعض الغبن عن تراث المدينة بشكل عام،وساحة جامع الفنا على وجه الخصوص،هذه الساحة المكلومة الجريحة،التي أضحت اليوم جسما ينهش فيه أصحاب المطامع يتاجرون بقيمه الأدبية والتراثية الرفيعة،هذه الساحة التي تتصدر منا جميعا الهم والاهتمام،وذلك باعتبارها تضم إرثا ثقافيا عالميا،يمكن أن يضمه متحف قد يسهم بأكثر من صيغة من أجل إرساء مشروع ثقافي شامل وجامع،على ألا يكون هذا المتحف ،الذي كثر الحديث عنه مؤخرا، متحفا يضم هياكل أصالة محنطة،في غياب تصور علمي وجيه، يمكن أن يقوم على أساسه المشروع الثقافي المذكور،في هذا الصدد تحضرني مجموعة من المحاور التي طرحها في إحدى محاضراته القيمة صديقنا الجليل الدكتور يوسف آيت همو من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش حول ساحة جامع الفنا كوسيط ثقافي وحضاري،وهي محاور تجسد بالفعل للهم الذي بات يحمله المثقف/المغيب في هذه المدينة،اتجاه هذه الساحة التي قد تحولت من ساحة للفكر والثقافة والتراث وإغناء العقول،إلى ساحة للتغذية وإشباع البطون، وما بين العقل والبطن فضاءات تعج بالفراغ والتمزق، ومن بين أبرز المحاور التي جاءت في عرض الدكتور آيت همو ،محور حول غياب خطاب جاد حول ساحة جامع الفنا، وحول الثقافة الشعبية بشكل عام،ومن أجل التأسيس لهذا الخطاب الجاد،يطرح الدكتور يوسف آيت همو العديد من الأسئلة الابيستمولوجية القبلية الهامة :
ـ هل باستطاعتنا اليوم القيام بعملية تقويم كل الخطابات اللغوية المتعلقة بأدبيات الساحة؟؟ ـ هل باستطاعتنا العمل بجدية من أجل إرجاع المجد الثقافي لهذه الساحة،وإعطائها الموقع الذي تتبوأه، وجعلها بالتالي مجالا للاستهلاك الثقافي الرمزي، بدلا من الاستهلاك (الحيواني) العابر ؟؟ ـ هل باستطاعتنا ،يضيف الدكتور يوسف آيت همو في عرضه القيم، المزاوجة بين السياحة والثقافة، وخلق ما يسمى الآن بالسياحة الثقافية، والتي تجعل من الاختلاف الثقافي والتعارف بين الشعوب همها الوحيد ؟؟ وأمام أهم هذه التساؤلات التي يطرحها العرض القيم للدكتور آيت همو حول أهمية التأسيس لخطاب جاد وجيد ،يمكن أن يؤسس لفعل ثقافي في ارتباطه بساحة جامع الفنا، أتذكر شخصيا عشرات التوصيات التي كان يخرج بها العديد من الغيورين النبلاء من أبناء هذه المدينة المباركة، فلم تكن تجد الآذان الصاغية أو ردود الفعل سواء بالسلب أو الإيجاب، نحن فقط لا نتذكر ساحة جامع الفنا،ولبالغ الآسى والآسف، إلا مرة في السنة لنحتفي بمرور ردح من الزمن على تصنيفها تراثا شفويا إنسانيا، حيث تنظم الندوات ،وتلتقط الصور، وتوزع الإكراميات، نصفق، ثم ينفض الجمع لنلتقي في العام المقبل على نفس الايقاع والنغم الممل، لتظل المخاطر بتعددها وتشعبها، وفي مقدمتها ما يسمى بالتنشيط و(التبادل الثقافي) لصالح المستهلك الحيواني العابر، وتعميم التلوث الفكري والاستنساخ الثقافي ، كما جاء في عرض الدكتور الجليل يوسف آيت همو،إذن ،وإلى جانب اهتمام مختلف الثقافات بفضاء ساحة جامع الفنا، فقد أصبح من الضروري الإسراع بإحداث مرصد يدرس كل أنواع الثقافات التي تمر بالساحة ،وتشجع البحث العلمي حول الثوابت والمتغيرات الثقافية بالساحة،إلى جانب أهمية خلق بنك للمعلومات، تجمع كل ماله علاقة بساحة جامع الفنا كوسيط ثقافي وحضاري، وكموضوع ثقافي، مع العمل على توظيف مختلف الخصائص التكنولوجية الحديثة، والتخطيط العلمي لأجل أن يعود لساحة جامع الفنا مقوماتها الثقافية، وعلى رأسها سوق الكتب الذي كان بالأمس القريب مفخرة للساحة، تتباهى بها على مستوى المغرب وخارج المغرب.
أحمد رمزي الغضبان