شكلت جامع الفنا فضاء للحكي والثقافة الشعبية وهي من الأشياء التي تربط المراكشي بالساحة وتثير الأجنبي بصفة أساسية،حيث تخصص أشخاص في رواية السير الخيالية العجيبة والتي تشد السامع إليها بما توفره من خيال وحركية،وما تقدمه من معارك وحيل ومفاجآت وما تصفه من جو خرافي خارج إرادة الإنسان واستطاعته ويتحكم الراوي في المستمعين بطريقة سيكولوجية بحيث ينهي جزءه اليومي في قضية تحتاج الحل تاركا المستمع على نار للمجيء في الغد لتتبع القصة.
أول سؤال يطرحه الزائر منذ أول حلقة يحضرها لماذا يلتف هذا الحشد حول سارد خانته صحته ففضل الجلوس صوت قوي يخترق أصواتا مبحوحة تبحث عن سوق لبيع منتوج وهمي دواء يصلح لكل الأمراض لماذا يتحمل هذا الواقف صخب الساحة ويتسمر أمام هذا السارد يتشوق لتتبع أطوار حكايته العجيبة ؟ من هو مولاي إبراهيم ؟ ما قصة قبته، ناقته، وإزاره الخضر؟ قد يكون الزائر متيقنا من أن علي بن أبي طالب لم يصارع يوما رأس الغول لكنه يبقى متشوقا لتتبع أحداث ذلك النزال العجيب بين شخصيتين إحادهما تاريخية وأخرى متخيلة.
إن متعة التصنت قوية حتى مع الحكايات الخرافية و لا يمكن مقاومتها عندما تنعدم مصداقية الخبر وتغيب المؤثرات المرئية والصوتية يصبح المجال فسيحا لسحر الحكاية الممارس على الملتلقي. للحكاية سحر خبره الأولون والآخرون وحاول كشف سره المنظرون والنقاد من أرسطو إلى أحدث الدراسات السيميائية والسردية وفي كل مرة تكتشف عناصر جديدة تدخل في بناء الحكاية أو تأثيث عالمها لكن لا أحد يستطيع فك رموز ذلك اللغز الغامض متعة الحكاية. بيد أنه إذا كانت الإحاطة بأسرار المتعة أمرا صعبا المنال فإن إتقان متعة الحكاية والتحكم فيها أمر حاصل وإلا كيف يجعلك الحلايقي بجامع الفنا تنشد لقصصه المثيرة؟ بل تعيش أحداث نفس القصة لمرات عديدة وفي كل مرة تبدو لك فيها قصة جديدة تسمعها لأول مرة وتتشوق لبولغ نهايتها.
وأهم السير التي تحكى بالساحة: العنترية، الأزلية،وتتميز حلقة الحكي بالسكوت التام للرواد،طريقة الإلقاء الرائعة للحاكي واستعماله لكل جسده وتوظيفه لليد والحركة في توضيح ما يقصه،كثرة المستمعين وقد يتجاوز عددهم 100 شخص للحلقة الواحدة يتسابقون لاحتلال الأماكن المتقدمة ليستمعوا في جو من الانضباط والهدوء،إقبال أغلبة المستمعين على إكرام القاص بقسط من المال بطريقة مباشرة أو خفية. وأهم الرواة: بن الجيلالي وكان يقيم حلقته بباب فتوح، الشيخ عمر تخصص في قصص الأنبياء والجهاد، كبيري الضرير كان يقيم الحلقة أمام قنصلية فرنسا، الحاج اعمارة ، التمعيشة وراء الكتبية السيد ميلودالجابري، أمام مقر غرفة الصناعة التقليدية.