عبد اللطيف ناجم فؤاد
منذ ظهور الإسلام تفنّن المسلمون في فن بناء المساجد لتكون أماكن للعبادة وتلقي العلم. ولتصبح بعد ذلك مزارات سياحية شهيرة ومعالم هندسية رائعة الجمال . وقد أغنت العديد من الثقافات والدول الرصيد الهندسي للمساجد حول العالم حتى أصبح لهذه الصروح الدينية رمزية عمرانية مهمة في جميع الدول الإسلامية.
وقد سار المغرب على هذا النهج منذ أزيد من 12 عشر قرنا من الزمان وجعل المساجد من ضمن أولوياته المقدسة لترسيخ الدور الديني والعلمي و- الجهادي في فترة من فتراته التاريخية – .ومن تم أعطى المغاربة في جميع المدن المغربية اهتماما خاصا و رعاية استثنائية للمساجد حتى أصبح عددها 51000 مسجدا وفق ما كشفت عنه الإحصاءات الرسمية التي نشرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في 17 مايو 2019 بمناسبة الإعلان عن افتتاح 20 مكانا للعبادة بأمر من جلالة الملك محمد السادس . والمراكشيون بمدينة سبعة رجال كان لهم أيضا الحظ الأوفر في هذا المجال خصوصا و المدينة الحمراء تزخر بالعديد من المساجد التاريخية التي خلفتها الدول المتعاقبة عليها من مرابطين وموحدين وسعديين وعلويين .وتاريخها العظيم في شتى مجالات المعرفة الإنسانية والحضارة العريقة التي عم إشعاعها الأقطار والأمصار .
أمام كل هذا ارتأينا النبش في ذاكرة أحد المساجد التي تعتبر معلمة أجيال كاسطور ولو أن فكرة تشييده جاءت مع بداية فجر الاستقلال في حي هامشي مترامي الأطراف على الجهة الغربية من مدينة مراكش انه : مسجد القصب بحي كاسطور .
ويمكن القول إن مسجد القصب هذا شيد للحاجة الدينية التي كانت تنقص الساكنة الحديثة العهد بالاستقلال والمكان. وأقصد هنا بالمكان “حي كاسطور ” آنذاك حيت كانت الساكنة تفتقر لفضاء ديني يروم منافعها الدينية ومصالحها التشاركية النفعية وأيضا التعليمية لتلقين المبادئ الأساسية لحفظ القرآن الكريم للناشئة الصغيرة باعتبار المسجد الوحيد الذي كان آنذاك بالمنطقة كان في الطرف الآخر من حي كاسطور أي في تجمع سكني آخر يسمى بـ دوار العسكر المجاور للحي .حيت كان أهالي وسكان حي كاسطور يتنقلون إليه لأداء الصلوات الخمس بما فيها صلاة الجمعة و صلاة التراويح والأعياد وكان هو منارتهم لمختلف أوقات الصلاة الخمس .
أمام هذا النقص في أماكن العبادة لحداثة حي كاسطور المحيط ببعض المعامل والمصانع وثكنات الجنود والشرطة وبعض المصالح الأخرى. ارتأت ساكنة هذا الحي المؤلفة من الطبقة الوسطى ومعظمها من عمال وصناع ومستخدمين وموظفون وغيرهم …فطنت
لبناء مسجد يجمعهم على كلمة الله في أوقات الصلاة والمناسبات الدينية . وهكذا تم اختيار بقعة وسط الحي في مدخله الشرقي وأحاطوها بحزم من السدر اليابس ذي الأشواك الكثيفة باعتبارها المادة الموجودة بكثرة على أطراف الحي في الحقول المحادية في تلك الفترة . كان هذا حوالي سنة 1962 تقريبا حسب بعض المصادر الشفهية. حيت أخد زمام المبادرة كل من المرحوم التدلاوي والمرحوم الإدريسي المخلوفي مولاي محمد والمرحوم إدريس نجيب عبد الناصر والمرحوم أحمد حركات وتكلف المرحوم محمد بوصبع بالإمامة رفقة المرحوم عمر أبو الريش مأموما .أما الآذان فكان يرفع بصوت المرحوم حدوش مول الصاكة .وكان رحمه الله يرفع الآذان من فوق برميل من إحدى زوايا المحراب المفروش وباقي مساحة المسجد بالحصير الشائع في تلك الفترة على مستوىالبساط الأرضي. بقي الحال على هذا الوضع حوالي سنتين حتى سنة 1964 تقريبا إلى أن تم بمشورة جماعية سياجة المسجد بالقصب. المادة التي كانت تُجمع وتُلفف بمنزل المرحوم الإدريسي مولاي محمد بيدٍ عاملةٍ من رجال الحومة – الجماعة – وتوجوا مبادرتهم تلك بتبليط صحن المسجد بكامله وعزل دورة المياه وفضاء لـ “كُتاب قرآني” لتعليم الأطفال الكتابة والقراءة وحفظ القرآن ومن أهم تلاميذ تلك المرحلة : علي أوداد والمعتصم والمرحوم عزالدين نجيب وعبد الله الكنوسي وخالص عبد الله وعبد الرحيم الفاتحي والعديد من أقرانهم الذين أصبحوا فيما بعد أطرا …
تجدر الإشارة إلى أن هذه المرحلة تم فيها تغيير سياج القصب مرتين بحسب المادة بقصب أكثر جودة وصلابة ومتانة من سابقه. وقد أشرف على هذه العملية حسب بعد المصادر الشفهية كل من المرحوم الحاج بنطار والمرحوم الحاج صالح البوحدادي والمرحوم سي محمد الحبرامي وتم في هذه الحقبة إضافة وعزل بيت للإمام كان بدون سقف للراحة وفيه بعض أغراض المسجد استمرت هذه المرحلة على هذا الطراز التقليدي وجمعت العديد من رجال الحي المحيط بالمسجد واستمرت معها المناسك الدينية تجمع السكان على العبادة والاستشارة واستقبال عابري السبيل والتعليم حيت تتلمذ العديد من صبية الحي على عدة فقهاء تعاقبوا على مسجد القصب إلى حدود سنة 1960 أو 1970 حسب المصدر الشفهي إذ تم تحصينه بالجدار من الإسمنت بعد استشارة جماعية ضمت كل من المرحوم الحاج التدلاوي والحاج الوجداني المحجوب صاحب الورش و إدريس نجيب عبد الناصر ومولاي محمد الإدريسي ومولاي أحمد حركات وعدي نعيم وأضافوا مقصورة للتدريس وجمع أغراض المسجد واستراحة الإمام والتشاور في أمور الساكنة والحي، إضافة إلى ساحة صغيرة لمسح الألواح، وإعادة ترميم دورة المياه و صيانة الكهرباء فيما بقي طاقم الإمامة بنفس الأشخاص، وكان المؤدن يصعد لسطح المقصورة بسلم خشبي لرفع الآذان في مختلف الأحوال الجوية ، فيما استمرت الرسالة القرآنية مستمرة في تعليم أجيال من الصبية لتدريس اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم وبث روح المواطنة من خلال إحياء الاحتفال بالأعياد الوطنية كعيد العرش وعيد الاستقلال وعيد الشباب وغيرها …
بقي الوضع على هذا الحال إلى حدود سنة 1993 حسب نفس المصدر حيت عرف مسجد القصب قفزة مهمة تجلت في دخول المسجد مرحلة متقدمة في البناء بفضل نخبة جديدة من رجالات الحي ترأسها الأستاذ العلامة طالبٌ تحت إشراف مرشح الحي نجيب جمال عبد الناصر في اجتماع مع الجماعة المتكونة من: المرحوم الحاج محمد الخلخولي والمرحوم الحاج كبور ورحال السرغيني وآخرون وأعادوا ترميمه بتعاون مع بعض المحسنين كل حسب اختصاصه وإمكانيته فيما تكفل الحاج معط الله بورشة النجارة تحت إشراف ولعيد مصطفى بشكل تطوعي إحساني. تم الصباغة والترصيص والإنارة وخزانة قرآنية وتَمّ إعادة صيانة المرافق الصحية وتزويدها بالسخان فيما تَم إعادة بناء الصومعة المزودة بمكبر صوتي لرفع الآذان. وإضافة باب آخر وتوسيع الباب القديم لتسهيل ولوج وخروج المصلين وتَم تفريشه بزرابي جيدة مع أجهزة التبريد الداخلي . وتعتبر هذه السنة هي الانطلاقة الفعلية لإقامة صلاة الجمعة . هذا قليل من كثير مما يمكن أن يقوم به الأشخاص في مجتمعهم اتجاه بيوت الله التي يقصدها الصالحون من عباد الله لكي يتطهروا من الذنوب والآثام.و ليتزودوا بكل نافع من العلم والمعرفة.و لكي يزدادوا إيمانا على إيمانهم. ولأن الأمة في حاجة ماسّة إلى هذه الطينة الطيبة من الرجال الأطهار .و يجب أن يشجع أهل الخير على الإكثار من بناء المساجد والعناية على ارتياد المساجد ضمانا لحسن تربيتهم وتقويم سلوكهم لما فيه خير المجتمع بأكمله.