جدوى اللاعنف وعلاقته بالمتاح القانوني للتعبير السلمي (إلى حكماء الدولة من مهندسي العقل الأمني والأمن القضائي)
* مصطفى المنوزي
ليس من الضروري أن نؤكد على أن العهد المحمدي قرر مهندسوه أن يؤسسوا لشرعية جديدة تميزه عن الشرعيات التي كانت تؤطر ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، شرعية حقوقية وإنسانية تروم القطيعة مع القمع والإنفلات الأمني وتؤسس للحكامة في مجالات الأمن والقضاء والتشريع والتنمية . وكان الشق السياسي لتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة صريحا وقويا في التنصيص على ربط هذه الشرعية بضرورة إرساء المفهوم الجديد للسلطة والذي لا يعني سوى العمل على دسترة ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة ، بهدف وضع حد للإحتقان والتوتر والإفلات من العقاب عبر استراتيجيا ترسيخ الحق في الأمن بمفهومه الواسع والشامل ، إعتبارا من الحق في الأمن ضد الحاجة والأمن ضد الخوف ، إلى الأمن القانوني والأمن القضائي ، مع إستحضار والتذكير بكل ما يرتبط عضويا بالمفهوم الجديد للعدل من فصل السلطات وإستقلال بعضها عن بعض ، كمفتاح ييسر الإنتقال السلس لبلوغ وولوج كافة العدالات ذات الصلة عضويا ، والمنتجة لمقتضيات الإنصاف والسلم الإجتماعي . ليطرح السؤال من جديد : هل نجح العهد الجديد في بلوغ الغاية ، وبالتبعية هل حقق تمكن النظام الوارث من إكتساب الشرعية المفترضة ، أم أن المسلسل لا زال مفتوحا أمام مزيد من الإصلاحات بعد أن إستنفذت العملية السياسية ، التي رافقت العهد الجديد ، دورتها وإمكانياتها ، جيل جديد من الإصلاحات المؤسستية والتشريعية على الخصوص ؟
في مؤلفه ” التاريخ والحقيقة ” يؤكد الفيلسوف الفرنسي بول ريكور على ” أن الحركة غير العنيفة تكون دائما معرضة لخطر تمديد العنف الذي تعمل على مهاجمته بتعنت وعناد ، في حين يجب قياس طول وعرض وعمق العنف وامتداده ، على مدى التاريخ وتفرعاته على نطاق واسع ، نفسيا وإجتماعيا وثقافيا وروحيا ، وتجذره في العمق داخل تعددية الوعي . ويجب ممارسة هذا الوعي بالعنف إلى أقصى حد وإبراز عظمته المأساوية التي يبدو فيها كمحرك للتاريخ و” كأزمة ” و” لحظة حاسمة ” و” حكم ” ، حيث يغير فجأة وجه هذا التاريخ . “”
لذلك أدعو الجميع ، وخاصة مهندسي العقل الأمني والمكلفين بإنفاذ القانون وكذا المسؤولين عن تطبيقه ، أن يتذكروا بأن شرعية النظام في العهد الحالي لن تكتمل صورتها المنشودة إلا بالوعي بأهمية الربط تركيبيا بين تقرير الخمسينية حول التنمية وبين التقرير النهائي لهيأة الإنصاف والمصالحة ، لتسطير الخريطة الجديدة للتسويةالسياسية التوافقية والتوفيقية بين مطلب حفظ النظام العام وبين مطلب ضمان الحريات والحقوق ، وقد جسدت خطة العمل الوطنية حول حقوق الإنسان والديمقراطية أهم معالمها وآفاقها ، وعلى الخصوص بالقيم المضافة التي تبنتها الحكومة الخارجة ، في العلاقة مع الحكامة الأمنية وفي العلاقة مع الحق في التعبير والتنظيم والتظاهر والإجتماع ، ثم العلاقة مع خطة الحد من الإفلات من العقاب ، وهي خطة عمل للأسف ظلت محصورة زمنيا في الولاية الحكومية ( التشريعية ) السالفة ، وقد حان الوقت لترسيمها بعد تحيينها ، فهي خطة كفيلة بإطلاق عملية إصلاح حديثة توفر إمكانية تأهيل أشكال التعبير ، في ظل تمثل تقليداني لبعض المقتضيات التي تذكرنا بظهير ” كل ما من شأنه ” لسنة 1935 السيء الذكر والعواقب . فإذا كان من حق الحكومة التشريع ، فلا ينبغي التعسف في إحتكارها للمبادرة خارج المقاربة التشاركية ، وفي ظل عدم تمكين المواطنين والهيئات المهنية والمدنية من حق النقد المؤسستي وبسط الرقابة والطعن الدستوريين ، بإعتبار أن هاته الوسائل تصلح بديلا أو عوضا في حالة وجود نصوص ” خاصة ” تقيد إمكانية التعبير أو الإحتجاج حتى ، وإلا فإن المنع من التعبير السلمي نتيجته الحتمية والطبيعية البحث عن حلول خارج المتاح دستوريا وخارج الفضاء والمجال المعني بالحظر ، وذلك إيمانا منا بأنه ليس هناك فضيلة /وسط بين العنف واللاعنف ، وبأن التعسف في القهر وجه مقنع للعنف ، وفي كنه اللاعنف هناك دائما مخرجات لن يوفرها ، بتاتا وبالمطلق ، مجال المنع والقمع ، كمجال أصله العنف ولو سمي عنفا مشروعا ، أو تمت شرعنته بالنص . من هنا موجب تدخل الحكماء النزهاء من أجل تمكين المتضررين من سوء فهم أو تطبيق القانون أو سوء التعسف في إستعماله ، من وسائل فحص الشرعية ومراقبة المشروعية والدفع بعدم الدستورية ، وعلى المستوى المؤسستي لا مناص من تنصيب المجلس الأعلى للأمن ، من جهة ، وتنفيذ تعليمات عاهل البلاد ( خطاب 15 دجنبر 1999 أمام قضاة الوطن ) بتأسيس مجلس الدولة من جهة ثانية ، فالأول ضامن للحكامة الأمنية والثاني كمستشار للدولة وضامن للأمنين القانوني والقضائي .
* رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن