عبد الله العلوي
هناك خلاف حول شخصية عبد الله بن ميمون المشهور بالقداح، فقد عرف باسم يقرب منه، أحد جلساء ورفاق محمد الباقر، وشخص آخر يدعى ابن ميمون الديصاني، ويظهر أن هذا الشخص الأخير هو الذي وضع الأسس التي تحدثنا عنها سابقا، وأضاف إليها –فيما بعد– إخوان الصفا الفلسفة الإغريقية المتعلقة بالمادة، بعد أن كان الديصاني قد أسسها على المزدكية (وهي ديانة فارسية) والزراديشتية. إلا أن هذه العقائد لم تنجح في تحويل العالم الإسلامي عن عقيدته، وإن نجحت في جمع بعض المؤيدين/الأتباع هنا وهناك، نتيجة ماقامت به الدولة العباسية ضد جماهير واسعة من الفلاحين، وانعدام العدالة الاجتماعية، وعليه فإن المنخرطين في هذه الجماعات كانت لهم أهداف مختلفة لا تلتقي إلا في العداء للدولة العباسية. وهو ما أدى إلى الخلاف مع زعيم الزنج القرمطي حمدان، الذي اغتيل في ظروف غامضة. لم تتبلور الإسماعيلية كفكر إلا فيما بعد مستغلة الخلاف حول الإمامة، وغياب محمد بن إسماعيل الذي يظهر أنه لم تك له أهلية أصلا أو نفوذ، ولكن جماعات معينة ادعت النسب إليه، خصوصا بعد تأسيس الدولة الفاطمية من طرف عبيد الله الشيعي -أحد الدعاة- الذي تحول بسرعة إلى ادعاء النسب الشريف. ففي القرن العاشر الميلادي، ظهر شخص يدعى سعيد بن أحمد، المتنازع في نسبه، والذي لقب نفسه بعبيد الله المهدي، وأرجع نسبه إلى فاطمة و علي -ض- مباشرة بعد أن كان يدعي أنه حفيد لعقيل بن أبي طالب، وأسس مدينة المهدية قرب القيروان، ومن هناك دخل في صراع مع الأغالبة. ثم وسع سلطته إلى أن سيطر أبناؤه على مصر، ثم سوريا، وكاد الذين جاؤوا من بعده أن يسيطروا على العراق. وقد احتفظوا بمظهر علني فيما يتعلق بالشعائر الإسلامية، وعقيدة سرية في المجالس الخاصة، التي سميت مجالس الحكمة فيما بعد، أثناء حكم الدولة الفاطمية في مصر، عندما تبلور الفكر الإسماعيلي متجاوزا أفكار ميمون الديصاني، دون أن يتخلص منها تماما. ويمكن تلخيص الفكر الإسماعيلي بعد تطوره في مجالس الحكمة على يد “فقهائه الكبار” في مجموعة من الأفكار التي نقلوها عن أفلاطون أو الفلسفة اليونانية والعقائد الإيرانية القديمة مثل الزراديشتية والتراثين اليهودي والمسيحي، وأفكار الشيعة إلى حدود الإمام جعفر الصادق، مع الارتكاز على التأويل للكلمات و المعاني التي جاء بها القرآن الكريم أو الأحاديث، مما جعل من الصعب ضبط فكر هذه الجماعة، خصوصا أنها تناقضت هي نفسها حسب اختلاف ظروفها الجغرافية أو تغيير زعمائها أو أئمتها، فبعضهم دعا إلى إلغاء الشرائع، وبعضهم أنكر ذلك، وبعضهم عاد من جديد إلى إلغائها وهكذا. واعتبروا أن الإمام الإسماعيلي الناطق تجسيد للإله، وأن محمد بن إسماعيل الغائب عند عودته سيؤمن به الجميع، فالجماعات الإسماعيلية لم تكن لها عقيدة واحدة جامعة، وإن اجتمعوا على إمامة محمد بن إسماعيل، فقد انتسب إليه الكثيرون دون أن يكون هناك أي دليل على انتسابه هو إليهم، إذ لم يظهر الإمام محمد بن إسماعيل بعد تولي موسى الكاظم ولم يعارض عمه في تولي الإمامة عقائديا، فمحمد بن إسماعيل هذا كان شخصا تافها، ذهب إلى بغداد وطلب مقابلة الخليفة العباسي هارون الرشيد وخاطبة بما معناه: أن هناك خليفتين يجبيان الأموال أحدهما أنت يا أمير المؤمنين، والكاظم في المدينة، فأمر هارون الرشيد باستقدام موسى الكاظم وسجنه. فالأمر عملية استدلالية/فرضية، كان هدفها تدمير الدولة العربية/الإسلامية بالأساس، وذلك بخلق تنظيم يحتاج إلى إمام من آل البيت، ولو نظريا، وحتى بدون رغبته. وحتى يتضح هذا الاختلاف بين هذه الجماعات. فقد زُعم أن حسن الصباح الذي أسس دويلة في إيران، قد اختطف أحد أبناء نزار ابن المستنصر الفاطمي- المتوفى في 1094- وهو أمر مستحيل نظرا للظرف الذي عاش فيه حسن الصباح، والمشاكل التي واجهها حتى في تأسيس الدويلة التي حكمها لأكثر من 3 عقود، إلى أن توفي في سنة 1124م، فكيف يختطف أحد أبناء نزار ويستقر له الأمر، كما أن عملية الاختطاف لا دليل عليها أصلا. وقيل إنه كان له أبنان أعدمهما معا، الأول لأنه اغتال أحد الرعاة، والثاني لشربه الخمر وهو أمر غير منطقي لأن الذي ادعى الإمامة هو أحد أبنائه الذي زعم أنه من سلالة ابن علي ابن نزار، الملقب بالهادي واسمه “كيا بزرك آميده” وزعم أن حسن الصباح قد أخذه إلى عشه. وبعد وفاة كيا بزرك في سنة 1219م تولى الإمامة بعده ابنه الحسن في سنة 1164م، فأعلن إلغاء الفرائض وحدود الشريعة الإسلامية من شهادة وصيام و حج و زكاة، وأصدر بلاغا في خطبة من أعجب الخطب التي صدرت في التاريخ، تجاوز ما كان ابن ميمون القداح قد قدره فيما يتعلق بالإمام الناطق، لقد رفع حاكم آلموت مرتبة الإمام فوق الرسل قائلا: “يمر الأنبياء ويتغيرون، أما الأئمة فباقون“. مما جعل بعض فقهاء الإسماعيلية يتدخلون لخطورة الأمر، والرد على قوله: (مولانا هو قائم القيامة ومولى الكائنات فهو الوجود المطلق المنزه عن كل التعريفات والتحديدات ˃…..˂ يمر الأنبياء ويتغيرون، أما نحن الأئمة فباقون لأن النور الذي يشع من المصباح ليس المصباح نفسه، ولكن إذا لم نجد النور فكيف نعلم ما هو المصباح أو نعرف أن المصباح موجود أصلا، بل وأين هو؟˃….˂، إن أولياء الله ليسوا نفسه، ولكنهم لا ينفصلون عنه فالإمام الناطق هو المظهر الإلهي في الدعوة الإسماعيلية، وهو الذي يحاسب يوم القيامة. فبالتالي لا داعي لممارسة أي شعائر، فالإمام مكلف بها ومسؤول عنها نيابة عن الجميع). وبذلك كان خروج الإسماعيلين من التقية التي عاشوا في ظلها طويلا، لإخفاء عقيدتهم التي تخفي التقمص أي التجسيد الإلهي في الذات البشرية. وقد قال أحد الشعراء مادحا أحد أئمتهم:
ماشئت لا ماشاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار