توفي الكاتب الكبير جبران خليل جبران، يوم 10 أبريل 1931، كتب قيد حياته، نصا شفيفا حول الموت، عنونه ب ” جمال الموت “( متضمن في كتابه دمعة و ابتسامة ) :
…دعوني أنَمْ، فقد سكرت نفسي بالمحبّة .
دعوني أرقد،فقد شبعت روحي من الأيّام والليالي .
أشعلوا الشموع، وأوقدوا المباخر حول مضجعي، وانثروا أوراق الورد والنرجس على جسدي،
وعفروا بالمسك المسحوق شعري، واهرقوا الطيوب على قدمي، ثم أنظروا وأقرءوا ما تخطّه يد الموت على جبهتي …
امسحوا الدموع يا رفاقي، ثمّ ارفعوا رؤوسكم مثلما ترفع الأزهار تيجانها عند قدوم الفجر، وانظروا عروسة الموت منتصبة كعمود النور بين مضجعي والفضاء . . . وامسكوا أنفاسكم واصغوا هنيهة واسمعوا معي حفيف أجنحتها البيضاء…
قرّبوا الأطفال إلى فراشي ودعوهم يلامسوا عنقي بأصابعهم الورديّة الناعمة .
قرّبوا الشيوخ ليباركوا جبهتي بأيديهم الذابلة المتجمّدة . دعوا بنات الحيّ يقتربن وينظرن خيال الله في عينيّ ويسمعن صدى نغمة الأبديّة متسارعة مع أنفاسي .
أخلعوا نسيج الكتّان عن جسمي وكفّنوني بأوراق الفلّ والزنبق .
انتشلوا بقاياي من تابوت العاج ومدّدوها على وسائد من زهر البرتقال والليمون.لا تندبوني يا بني أمّي،بل أنشدوا أغنية الشباب والغبطة.لا تذرفي الدموع يا ابنة الحقول،بل ترنّمي بموشحات أيّام الحصاد والعصير .
لا تغمروا صدري بالتأوّه والتنهّد،بل ارسموا عليه بأصابعكم رمز المحبّة ووسم الفرح .
لا تزعجوا راحة الأثير بالتعزيم والتكهين،بل دعوا قلوبكم تتهلّل معي بتسبيحة البقاء والخلود .
لا تلبسوا السواد حزناً عليّ،بل تردوا البياض فرحاً معي .
لا تتكلموا عن ذهابي بالغصّات،بل أغمضوا عيونكم تروني بينكم الآن وغداً وبعده .
مدّدوني على أغصانٍ مورقة وارفعوني على الأكتاف وسيروا بي ببطء إلى البريّة الخالية .
لا تحملوني إلى الجبّانة،لأن الزحام يزعج راحتي، وقضقضة العظام والجماجم تسلب سكينة رقادي .
أحملوني إلى غابة السرو واحفروا لي قبراً في تلك البقعة حيث ينبت البنفسج بجوار الشقيق .
أحفروا قبراً عميقا كيلا تجرف السيول عظامي إلى الوادي .
أحفروا قبراً واسعاً لكي تجيء أشباح الليل وتجلس بجانبي .
أخلعوا هذه الأثواب ودعوني عارياً إلى قلب الأرض . مدّدوني ببطء وهدوء على صدر أمي .
أغمروني بالتراب الناعم وألقوا مع كلّ حفنة قبضة من بزور السوسان والياسمين والنسرين…
دعوني وحدي وتفرّقوا عني بهدوء مثلما تتفرّق أزهار اللوز والتفاح عندما تنثرها أنفاس نيسان .
ارجعوا إلى منازلكم فتجدوا هناك ما لم يستطيع الموت أن يأخذه مني ومنكم .
اتركوا هذا المكان،فالذي تطلبونه صار بعيداً،بعيداً عن العالم . . .”