إدريس المغلشي
أما الطرف العلوي فهو الوجه الراقي من الحارة يسكنه علية القوم من العائلات البورجوازية العريقة ورجال الأعمال والسلطة .مساكنهم عبارة عن روض فناؤها مفتوح للسماء بلاسقف تتوسطه نافورة محاطة بأشجار وغرف مساحتها كبيرة تخشى الضيق خاصة بالضيوف بها أقواس جميلة محاطة بالخشب النفيس والجبس المنقوش والصباغة والجير حافظت على أناقتها. وضع عند أبوابها بعناية مزهريات كبيرة أضفت على المكان جمالا ورونقا . حين تمر بأزقة الطرف العلوي المضاءة بمصابيح في كل مكان والمغطاة بالإسفلت الناذر اللامع المستورد من فرنسا يحدث نعلك الصدء وأنت تمر بها خلسة صوتا يزعج هدوء الساكنة فتخفف من الوطأ حتى لاتشوش على المكان . روائح عطر تركها المارة عالقة بجنبات المكان كدليل على أن الفضاء استثنائي بكل المقاييس و في كل شيء .تأخذك الرهبة لتصدق عليك المقولة المشهورة ” الداخل مفقود والخارج مولود ” العبور من المكان محفوف بكثير من المغامرة والمخاطرة كذلك . ليس هناك خط تماس بين مكونات الحي طرفه العلوي والسفلي يحلو لبعض المشاغبين استفزاز سكون الليل وهم يعلمون أن كلاب القائد الشرسة التي لاترحم كل غريب . تتجول بالليل وهي تقوم بمهمة الحراسة كالعادة بعد صلاة العشاء بقليل. فيحدث المراهقون ضجيجا يجعلها تثور جريا وملاحقة لهذه العصابة من المشاغبين الذين يتمكنون في كثير من المرات الإفلات منها والنجاة مسجلين أهدافا في مرمى الطرف العلوي مرة أخرى وبطريقة تستهويهم فيها الجرأة والشجاعة وكأنهم يختبرون قدرتهم على تحدي المكان الذي أضفيت عليه هالة مما سمعوه من آبائهم . كل يوم كر وفر . وعون السلطة الذي ورث هذه المهمة عن أبيه يجيد تحديد أسماء المتورطين من خلال أصواتهم الهامسة ليلا فرحا ونجاحا بالمهمة .فلم يعد الجناة في اعتقاده يرددون أسماء بعضهم بعضا.حتى لاتنكشف هوياتهم ومع ذلك يوزع الإتهامات يمينا وشمالا حتى لايعود للمكتب صبيحة اليوم الموالي خاوي الوفاض . تتوالى التحذيرات للآباء فلايعقل أن تنقل فوضى منطقة عشوائية لأخرى تنعم بالهدوء والإستقرار . لكن المؤكد أن المنطقة العليا مهما بلغت من الزينة والخيلاء وهي تنظر للأسفل تبقى رهينة للضفة الأخرى فكل الخدمات الضرورية للحياة متواجدة هناك .فإذا كان المستوصف الوحيد والصيدلية المجاورة له تحتل رأس زقاق الحي الراقي فحوانيت العشابين منتشرة في الأخرى .فساكنة الحي من الضعفاء لاتؤمن بالطب لانها بكل بساطة لاتملك مصاريفه أغلب الأطفال يتمتعون ببنيات قوية مادامت قاعة الرياضة “لمعلم عزوز ” مفتوحة في وجههم بثمن بخس في الحي المجاور . والمسبح الذي يتوسط الحديقة في مكان استراتيجي تحيط به مساحة خضراء لتزاوج بين النزهة والسباحة .عند الخروج من حصة شغب وألعاب مرهقة تكفيك دراهم معدودة لتلتهم “كسكروط الطون والحرور ” وأنت توزع بعض اللقيمات على أصدقاء الدرب تضامنا وتعزيزا للحمة الصداقة . (يتبع )