مصطفى المنوزي
يصعب القبول بظاهرة توكيل مهندسي “الحقيقة الإعلامية ” للنيابة ( فضالة ) عن الدولة ومهندسيها المستشارين والأمنيين من أجل تبرير السياسات والقرارات ( خاصة في قضايا وطنية سيادية ومصيرية) وكذا تأويل الإرادة السياسية في ملف حساس يهم العلاقة مع الحلفاء والأعداء ؛ صحيح أن الدولة تتحمل ( لوحدها ) كامل مسؤولية فيما تخططه وتقرره من سياسات واختيارات ، ولكن أمام الله ، كما قال الدكتور محمد الطوزي ، غير أن المواطنة الحقيقية تقتضي تمكين المواطنين من المشاركة في تقرير المصير ، والديمقراطية تقتضي نقد الممارسات و السياسة العامة ومحاسبة الفاعلين ومساءلة الإنحراف كلما كان له محل . فالملك كأمير للمؤمنين ورئيس الدولة يعتبر فاعلا رئيسيا من الناحية الدستورية والواقعية وهو أمر عاينه الناس دون الوعي بوقعه ، ولم يعد الإحتكار يخص الشؤون الدينية والأمنية والسيادية الخارجية بل تكَرَّسَ على مستوى السياسات العامة والعمومية الداخلية خاصة على المستوى الأمني والمالي ، في حين يظل البعد الإجتماعي مجرد خطاب نوايا يتم به تأثيث الفضاء العمومي في العلاقة مع ” الكفاح النقابي وسياسة الخبز ” اليومية وفي إرتباط وثيق مع ” النضال الإنتخابي ” الموسمي لأجل الإحتواء والتنفيس وامتصاص النقمة ؛ وفي العمق تتطاوس سياسة وتترسخ ثقافة ” مجتمع الدولة” حيث تتماهى السلطات والصلاحيات والمسؤوليات في يد واحدة ، على مستوى التشريع والتنفيذ والقضاء ، في ظل غياب آليات المحاسبة والرقابة والحكامة( حتى ) في هذا الصدد ! فكيف يمكن الرهان على ما يعتبر مسخدمو ” ديمقراطية تمثيلية ” ينفذون السياسة بالتفويض المنضبط ، ويساءل ” منتخَبوها ” على المقدمات والنتائج معا والحال أن التعبئة تتم من أعلى ، فحتى المبادرة التشريعية وكذا السياسة العمومية فهي مؤطرة ، حتى لا نقول خاضعة ، للسياسة العامة للدولة . إنها قضية جوهرية مسكوت عنها ، ليطرح سؤال الإصلاح الدستوري والمؤسستي من جديد ، فلا مفهوم جديد للسلطة أو مفهوم جديد للعدل يكفيان في باب التباهي والتبجح ، فلابد من نقد المسار والتجربة ، والبحث عموميا عن معيقات التحول السياسي وبالأحرى الديمقراطي . فهل يكفي الإحالة على مطلب الملكية البرلمانية( ؟ ) في ظل إختلال موازين القوى وتعثر حصول إنتقال أمني ( على مستوى العقيدة الأمنية ) والذي دونه يصعب الحديث عن حصول أي تحول أو إنتقال ديمقراطيين ، أو حتى التفكير فيه ؟ وقد يقال بأن كل هذا التشخيص معروف ومعلوم و يعد من باب تحصيل حاصل . حقا معروف ومعلوم ، ولكن لدى من ؟ هل لدى الجميع أم النخبة فقط . في نظري لم يعد الإشكال في توفر المعطيات والعلم بها ، بل السؤال في من سيطرح الإشكالية ويفكر في الحلول ، وهل يعقل أن تفكر الدولة وحدها وهي جزء من الإشكاليات البنيوية المهيكلة للإنسداد والتيه العام ، بل هي المسؤولة الأعظم عن حالتنا المغربية ، وكيف نؤهل البيئة الإصلاحية والتقويمية كجواب على سؤال محاسبة السياسة العامة للدولة ؟
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن