عبد الغني القباج
لست دائما نقديا راديكاليا كما يبدو .. ولا حكيما أو متسقا مع قناعتي الثورية. لكنني أدركت الفرق بين التناقض و التناكد. ولا تزيغ رؤيتي عن التناقض في واقع مثقفيه ومثقفاته يركبون موجات أفكار سائدة ينتجها المخزن و”الحداثة الغربية الجديدة ..
لذلك من النادر ن أشعر بالحرية في نظام ومجتمع لا يؤمن بالحرية وبالتناقض .. نظام ومجتمع الثوابث .. ومن النادر أن يكون وعيي قويا واثقا من زلازل القلب .. ففي الحياة قدمت ما استطعت دون أن أطلب شيئا .. و ينتابني بعض الفرح لنجاحات رفاق رفيقات وأصدقاء وصديقات دون إحساس بالمضاهاة.. رغم أن المضاهاة تغري بكل محاسنها وغواياتها .. لا زال القلب يبحث عن نفسه .. تحرر العقل واستمر .. ولا زلت غريبا يـَـتَــأبَّى ويمانع ..
الذاتية توهم الإنسان بأن على الناس والعالم أن يتحولوا تحولا يعكس صورته كالمرآة .. قتلتنا الذات والردة ..
عندما أعيش لحظات الحب والتمرد تندثر ذاتي .. تذوب في حركة الواقع وتناقضاته .. رغم أن واقع الناس يسير عفويا بدون أفق .. بدون فكرة تَجَاوُزِ نظام ومجتمع يستهين بالتحول قانونا للحياة .. ويتبرم من الخلاف. لا يعرفون أن الفكرة بدون فعل تظل مهزوزة بلا قرار .. لكنهم يخافون من التحول .. يخافون من واقع يعيشونه .. من فكرة تناقض واقعهم ..
ونكابر لأننا فقدنا بساطة الناس وأصبحنا نحلق في سماء الأفكار ..
هذا ما وَصَلْتُ إليه ..
نظام مهزوز .. عماداته هراوات ومخبرين .. ونحن شبه غائبين .. هي مأساتنا التي ننكرها .. و بعضنا ولىَّ ظهره .. واختار طريق ملتوية كالمتاهة معقدة بلا هدف .. طريق أقنعت النظام بمزيد من اعتقال حريات .. وبمزيد من شرعنة الفوضى .. وبمزيد من التفاهة .. وبمزيد من استلاب ضمائر العامة.
أصبح النضال من أجل جنة الأرض أكثر ندرة من أوهام تصدق أن حالتنا ستتغير إذا قبلنا بالموجود .. “قْنَعْ بالموجود .. وانتظر الوعود” .. النضال من أجل انتظار وهم إنجاز العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة في نظام ومجتمع لا زالا ينظران إلى الخلف..
وعدد من المتمردين مغيبين وراء أسوار الأسر العالية ..
من دخل المتاهة السائدة يؤثث الوهم في رأسه .. رغم أن زنزانة سجن أصبحت أكثر حرية من زنزانة الحياة التي “يجود” بها السائد على “العباد”. وقرر المثقفون ذَوُو رسالة الحرية أن يصبحوا كـ”الأيتام في مآدب اللئام”.
ما أروع أن يستمر الإنسان سيد قناعته حتى لو وضعوا عنقه في مقصلة الإيديولوجية السائدة وحياة التفاهة.
وأنا المتمرد أعيش تناقض الفكرة والفعل .. أعيش وحدة التناقض والفعل .. ما دمتُ أواجه الواقع بوعي متطرف نبت في واقع تتعايشون معه وتستهلكون كل ما تنتجه دوامة البضاعة والنقود والأسواق الممتازة والدولة.
لقد قتَلَتْ الحياة إحساساتي إلا الحب لا زال يقاوم .. ويصارع كي لا يُقْـتَـلُ وَعْيُ البراكسيس في كياني. لَدَيَّ كبرياء يتحدى العصبية القبلية السائدة في السياسة.. نظام قبلي .. برلمان قبلي .. حكومة قبلية بوهم الأصالة التي تلتهم المعاصرة ..
لا زال المتمرد يتأمل أسلوب تحرر الدهماء الْمُخَضَّعَـة .. سيسقط ويعود إلى الأرض وتنمو من جسده بذور الفكرة .. تنمو في واقع الناس …