إدريس الأندلسي
حين تحرق الكتب، فأعلم أن الفاعل جاهل و حاقد و مجرد أداة بين أيادي قذرة تفضل الظلام على النور. اكفروا بكل الكتب إن شئتم و حصنوا عقولكم عن فعلها فيكم و اعتبروها خاطئة في نظركم، ولكن احترموا الملايين أو الملايير التي تعتبرها مقدسة. في شمال أوروبا الذي يعتبر نموذجا في التعاطي مع الحرية و الديمقراطية تظهر سلوكات همجية، لا تعكس أية قيمة إنسانية ذات طابع حضاري. الجهل و العنصرية و الاستعلاء و الحقد المعلن يسكن قلوبا و انفسا مريضة بكره الآخر و هو ما يعكسه ما وقع في السويد بترخيص من السلطات.
لماذا تصر صراصير موقعها الطبيعي في شبكات الصرف الصحي على الإساءة لأكثر من مليار مسلم. الفعل أصبح مرضيا و يعكس انحطاط الفكر و تفاهة القيم التربوية في السويد. لست يهوديا و لكني لن أحرق التوراة. لست مسيحيا و لن تخطر على بالي مجرد فكرة عابرة لحرق الاناجيل. لست مانويا و لا هندوسيا و لا بوذيا و لن أسمح لنفسي بسلوك آخر غير إحترام معتقدات الغير.
لماذا سجل تاريخنا و تاريخهم محطات شهدت نصب محرقات للكتب. و الجواب أن بني الإنسان عاشوا منذ آلاف السنين علي إيقاع الحروب لمجرد إختلاف حول النظر إلى السماء و من يتحكم في القوى التي تأتي بالنهار و الليل و الرياح و الرعد و البرق و العواصف و الزلازل و غيرها. جاء جواب الاقوام بطرق و ملل و نحل ليفسر العلاقة ” الصحيحة ” مع خالق واحد أحد و أعتبر الجواب أولا قرارا في حق المخالفين و ثانيا دعوة إلى اصطفاف على مواقف الأقوى. فكانت حروب الديانات الأكثر فتكا بالبشر خلال مسار امتد على آلاف السنين و لا زال يفتك بها. وللتذكير فالحروب الدينية في أوروبا أستمرت لعشرات السنين و خلفت ستين مليون قتيل. و لا زالت آثار العنف الديني ظاهرة في قارة عجوز استخدمت الدين لاستعمار شعوب كثيرة و استغلال ثرواتها عن طريق النهب و زرع الفتن و التفقير الممنهج و الذي وجد في الدين ذلك السلاح الخفي الذي هيأ الأرضية المناسبة لدخول الإستعمار إلى أفريقيا و آسيا و أمريكا.
حاول المتنورون من البشر تبني مبادىء إنسانية تحث على المساواة و العدل و الإخاء. و لكن حرق الكتب استمر إلى اليوم و يشارك في احماء ناره بعض ممن يتبجحون بالدفاع عن حرية التعبير. من حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه في ممارسات دينية يراها غير متوافقة مع منظومة فكرية يتبناها أو قوانين بلاده، و لكن الاعتداء على المعتقد لا علاقة له بالرأي الحر.
كيف تريد السويد أن تحافظ على مصالحها في العالم الإسلامي و هي تسمح و ترخص لبعض معتوهيها بحرق كتاب مقدس إسمه القرآن في يوم إحتفال أكثر من مليار من المسلمين بعيدهم و خلال أكبر تجمع ديني في العالم يؤمه أكثر من مليوني مسلم من كل بقاع الأرض و يتابعه الباقي عبر وسائل الإعلام. كيف سيتعامل المسلمون مع شركات تربح الملايير من الدولارات على أراضيهم. سيارات ” فولفو” و تجهيزات ” إيكيا ” و ” أريكسون” و ملابس “اش اند ام” بالإضافة إلى شركات أخرى قد تتضرر من استمرار استفزاز المسلمين و عدم تجريم هذه الأفعال في السويد.
قام المغرب بالتعبير عن عدم رضاه كدولة و كحكومة و كشعب. وتم توجيه الرسائل الدبلوماسية اللازمة. قد تتطور الأمور على الصعيد الدولي لتصل إلى مقاطعة السويد و عزلها من طرف الدول الإسلامية. و لنا كمغاربة تجارب مع البلد الذي يسيء بمواقفه إلى قضيتنا الوطنية. و رغم الحرب الاوكرانية أدى حرق المصحف إلى تنديد أمريكي و آخر روسي بالإضافة إلى العديد من الدول و من المواطنين السويديين أنفسهم .