آخر الأخبار

حركة المقاومة بمراكش – 5 –

عمر المتوكل الساحلي 

العمليات وتسلسلها

في يوم الجمعة 29 يناير 1954 سافرت إلى الدار البيضاء. واجتمعت بمولاي البصري والزرقطوني ومحمد بن موسى الساحلي في منزل هذا الأخير بسيدي معروف وبعد استعراض الحالة بمراكش، والتأكد من أن كل شيء أصبح مهيئا في انتظار صدور الأوامر، قال مولاي البصري إن القنابل موجودة الآن وهي تحت اليد، فلم يبق إلا تسليمها لكم والشروع في العمل، فقل للفطواكي أن يقدم حالا لاستلامها ، وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي التقيت فيها بالزرقطوني ولولا أن محمد بن موسى قال لي: هذا هو الزرقطوني، لما عرفت أنه هو، نظرا للاحتياطات المتبعة، وإنما عرفت سماعا أنه في قيادة الحركة، كما عرفت سماعا الحسن الوزكيتي الذي لم أتعرف عليه شخصيا إلا في إيفني، حيث قدم من تطوان لمعالجة مشكلة اللاجئين هناك، أما اتصال حمان الفطواكي، فقد كان أوسع، حسب ما اطلعت عليه في ما بعد.

 

مساء ورجع يوم وفي 30 يناير) أبلغت الخبر للفطواكي في الاجتماع المقرر عقده عادة بعد الرجوع من الدار البيضاء الأحد 31 يناير صحبة مولاي عبد السلام الذي حمل معه في محفظة نسوية ثمانية قنابل وصباح يوم الاثنين فاتح فبراير حضرت أنا ومولاي مبارك إلى دار السيد الحسين البزيوي، حيث وجدنا مولاي عبد السلام والفطواكي ورب المنزل في انتظارنا وهناك وضع برنامج الكتبية، وتحول مولاي عبد السلام إلى ضيعة مولاي مبارك في المرابطين في سيارة الأخ بوجمعة في انتظار التنفيذ يوم الجمعة 5 فبراير. وقبل أن يتغير الأمر بتحويل السلاح فورا من دار السيد الحسين البزيوي، فأخذت منها أربعة قنابل إلى منزلي وتسلمها مني الفطواكي بعد زوال اليوم نفسه، وأحب أن أذكر هنا حادثة وقعت لمولاي عبد السلام والحسين الصغير في الطريق، تشبه ما وقع للحسن أهمو يوم 15 نونبر 1953 ، ذلك أنهما لما وصلا إلى ابن جرير أوقفهما دركيان، وطلبا من الحسين الذي كان بجانب السائق الذي لا أعرف اسمه بكل أسف أن يركبا معهم إلى مراكش، وطلبا منه أن يرجع إلى المقعد الخلفي بجانب “مدام” على أن يركب أحدهما بجانب السائق، فكان ما طلبا ، وركبا حتى وصلا إلى المحل الذي يقصدانه بجليز.

المحاولة الأولى وفق البرنامج المقرر، قام مولاي مبارك بالدور الذي كلف به منذ صباح الجمعة 5 فبراير 1954 حيث كان يراقب دار الكلاوي للتأكد من خروجه لصلاة الجمعة، وعندما خرج تبع موكبه عن كثب، إلى أن دخل مسجد الكتبية الذي حضر إليه الفطواكي مع الأفراد المكلفين بإنجاز العملية معه، وكان دور. السيد عمر بن الحسن أن يدخل للمسجد في الباب المعين له، فيما إذا لم يحضر الباشا صلاة الجمعة، بعد أن يخبر مولاي مبارك بذلك ويمشي حتى يراه الفطواكي ليشير بدوره إلى الأفراد بالكف عن تنفيذ العملية، ولكن لأمر أراده الله، ارتكب غلط من غير قصد، ذلك أن السيد الحسين سمع من بعض أصدقائه الذين يزودونه بمعلومات في نطاق المهمة الاستخبارية التي كان مكلفا بها، أن الباشا لن يحضر صلاة الجمعة لأن لديه ضيوفا وبدون تردد ذهب في الحال للسيد عمر بن الحسن وأبلغه الخبر، وبدون أن يتأكدا معا من صحة الخبر وذلك بالرجوع إلى مولاي مبارك المكلف بالمراقبة والتبليغ لعمر بن الحسن

دخل هذا الأخير إلى المسجد وأشار الفطواكي إلى الأفراد بالكف عن إلقاء القنابل وضاعت هذا الخطأ، فرصة للمقاومة ككل، لم يجد الزمان بمثلها طيلة أيام المقاومة، من أن عبد الحي الكتاني وجماعة من القواد والباشوات ورؤساء الطرق الذين باعوا أنفسهم إلى الشيطان حضروا مع الباشا صلاة الجمعة الأمر الذي جعل تجاوز الغلطة صعبا جدا ولولا تدخل بعض أعضاء اللجنة ومعارضتهم الصارمة مخافة أن تبدأ الحركة في مراكش بتصفية بعض أفرادها لمجرد غلط ارتكب من غير قصد، لوقع ما يتطلبه الموقف من صرامة أوردنا هذه المحاولة لأنها لا تعرف لا عند الذين نظموها ولا عند الفدائيين الذين حضروا بقنابلهم في داخل المسجد وأمروا بالكف عن إلقائها :وهم حمان الفطواكي – احماد أقلا – علال ابن أحمد – محمد بن العربي القهواجي – لحسن الروداني – علي رضوان – أخوه محمد، ولم يعرفهم حينذاك إلا الفطواكي وعبد السلام الجبلي.

وفي الجمعة الموالي (2/12) تخلف الكلاوي عن صلاة الجمعة، مما جعل الأيام عندنا كالشهور، وفي 19 فبراير وقعت العملية الأولى التي أسفرت حسبما نشرته جريدتا السعادة والوداد، عن 28 جريحا من ضمنهم الباشا، وكان الفطواكي شارك شخصيا في هذه العملية.

وقد عزم يوم السبت 2/20 على الدخول على الباشا في الستينية ليجهز عليه ثم ينتحر، ولكن اللجنة المسؤولة رفضت الموافقة على ما عزم عليه، ورغم ذلك فقد قام بزيارته بواسطة البواب ابن الزهرة الفطواكي، الذي كان يجلس كثيرا بجانبه بباب الستينية وحمد له السلامة..) ومعه قنبلة ومسدس، وتأكد من أن جراحه كانت خفيفة، وهكذا توالت الأحداث والعمليات الناجحة التي زعزعت الاستعمار وأذنابه العملاء، إلى أن انتهت هذه الجولة الموفقة بصفة نهائية يوم الثلاثاء عيد الأضحى لعام 1375 (10) غشت (1954) باعتقال الشهيد الفطواكي في الساعة الحادية عشرة زوالا فور رجوعه من الدار البيضاء، ذلك الرجوع الذي كان أكبر غلط ارتكبته القيادة وأدت المقاومة ثمنه غاليا، لأن الموقف كان يقتضي عدم السماح له بالرجوع إلى مراكش بعد أن تمكن من الخروج منها بأمر من القيادة بالإضافة إلى الغلط السابق في السماح لي شخصيا بالرجوع إلى مراكش، بعدما خرجت منها لإبلاغ تفاصيل ما

حدث للإخوان في الدار البيضاء، كما اعتقل في نفس اليوم عمر الساحلي وعمر ابن الحسن السباعي (2 غشت) وفي نفس الليلة اعتقل الشافعي وزوجته وانتهى كل شيء باعتقال الشهيد علال بن احماد الرحماني في الدار البيضاء (28 غشت 1954) بعد اعتقال الأخ بوجمعة الذي كان مختفيا عند السيد احماد بن الكامل 25 غشت) ثم مولاي مبارك والحسين البزيوي يوم الجمعة 27 المختفيين منذ اعتقال لحسن والشافعي، واختفى البزيوي عند محمد بن عبد السلام المضاربي ومولاي مبارك عند مولاي العياشي في الرحامنة، وكانت المدة التي عاشتها فرقة الفطواكي بما في ذلك فترة الإعداد، نحو عشرة أشهر، تبتدئ من أوائل أكتوبر 1953 وتنتهي يوم 10 غشت 1954 باعتقال الفطواكي ومن معه.

كما اعتقلت جماعة المرحوم محمد بن إبراهيم الضرير، المكونة من 19 شابا والتي كونها الفطواكي ودربها وانفرد بالاتصال بها وكان يطلق عليها الفرقة الاحتياطية أملا في أن تخلف الفرقة الرئيسة إن قدر لها أن تنكشف، ولكن الأقدار حكمت بإنهاء نشاطهما معا وفي آن واحد، وقد قامت هذه الفرقة بعمليتين في باب تاغزوت وكان حمان الفطواكي يضع السلاح عند الحبيب الرحماني الذي هو مسؤول أمام الفطواكي عن المجموعة، وبعد افتضاح جماعة الفطواكي سلم الحبيب الرحماني المسدسات الثلاثة التي تحت يده إلى السيد الطاهر عنان، وذلك قبل أن يفر الحبيب إلى الصحراء، وأمره بأن يسلمها لمولاي عباس الغسال الحمري على أن يسلمها للعربي الزمراني، ليوصلها هذا الأخير إلى ابن إبراهيم الضرير أو حسونة بن محمد بن إبراهيم وبعد فرار الحبيب، اعتقلت عائلته واعترف بعض أفرادها بالطاهر الذي كان مختفيا بالرحامنة إلى أن اعتقل واعترف بمولاي عباس الذي دفع له السلاح، ومن هناك تسربت الاعترافات إلى جماعة الضرير، التي اعتقل أفرادها جميعا، وقد ضبطت الشرطة الاستعمارية هذه المسدسات تحت يد محمد المسعودي المحكوم عليه بخمس سنوات سجنا في المحكمة العسكرية.