إدريس الأندلسي
قلت في نفسي أن حزب الاستقلال اتخذ القرار الحكيم بخصوص مؤتمره المقبل. حرصت أجهزته و قياداته على حل المشاكل الداخلية لكي لا يعاد سيناريو 2017 الذي استخدمت فيه أسلحة فتاكة و ذات قدرة على الطيران، إنها الصحون الطائرة التي مكنت الذاكرة السياسية من تسجيل فصل حزين كان أبطاله بعيدين كل البعد عن المدرسة الاستقلالية في التعامل مع الخلاف. يقدر الكثير من الملاحظين الخارجيين نوعية العلاقات التي كانت تسود داخل حزب بلافريج و علال الفاسي و امحمد بوستة و ابو بكر القادري و غيرهم من القيادات التاريخية. حزب الاستقلال كاد يشبه الأسرة أو العائلة الكبيرة. كانت مؤسساته تحتكم إلى بنية سلوكية ذات طابع أخلاقي يمتثل لمنطق التراتبية و كثير من الإحترام للسابقين من طرف اللاحقيين.
تغير الأمر مع انفتاح الحزب على المجتمع بكل تجلياته و مكوناته و جغرافيته و سلوكياته. و لكل انفتاح تكلفة قد تكون ثقيلة في عواقبها التنظيمية. خلف شباط عباس الفاسي و حاول فرض أساليب جديدة على تدبير الحزب و حتى على تدبير حكومة بن كيران و انتهى الأمر بانسحاب، غيرچ متوافق عليه، من الحكومة. و كان ما كان من آثار لهذا الأسلوب في التدبير على خلق تحالفات جديدة داخل الحزب تم تتويجها، بعد معركة الصحون الطائرة، بقيادة جديدة للإتحاد العام للشغالين و الدخول بالحزب في مرحلة تجاذبات أدت إلى تأجيج صراج في القيادة و جفاء بين اعضاءها ذويط التأثير و الحضور. و رغم كل هذا، تغلبت ثقافة التوافق المؤقت بين تيار تاريخي و تيار مؤثر و له جذور جنوبية و كبيرة الأثر على التنظيم و القرار.
لكل ما سبق، رجعت أغلبية المجلس الوطني إلى الحسم في أهم قضية تهم الحزب و هي وحدته. لم يعد من الخفي أن صراعا بين حمدي ولد الرشيد و نزار بركة و البنيات التي توجد خلف كل منهما قد يؤدي إلى المجهول، و يزيد من التشتت و الضعف الذي يشهده النظام الحزبي في بلادنا. و ككل المراحل التي تقطعها الأحزاب لصيانة وحدتها، تظهر خلافات يصنعها بعض ضحايا التوافق و كثير من المنتفعين الذين تفيدهم الصراعات و الانقسامات و الاصطفافات المجدية ماليا و اقتصاديا و المرتبطة بمراكز المسؤولية. و الصفعة التي تلاقها أحد برلمانيي الحزب تبين تضارب المصالح و ليس إختلاف الآراء. من تجرأ على صفع برلماني، قد يتجرأ على أكثر الأفعال عنفا. و العنف عنوان للضعف و هذا ما يجب أن يكتسب ضده حزب الاستقلال مناعة كبيرة. و كل هذا لا يعفي كل الأحزاب من إعادة قراءة رسالة ملك البلاد إلى البرلمان في ذكراه الستين.