يوسف الطالبي
كما كان متوقعا لم يلق المقال الاول المخصص لمناقشة موقف حزب النهج الديمقراطي العمالي من النزاع حول السيادة بين الدولة المغربية وجبهة البوليساريو التفاعل الذي يفترض أن يحدث، بالنظر لأهمية القضية سواء بالنسبة للحزب أو بالنظر لعلاقتها بالمعركة السياسية عموما. وإذا كانت التعليقات على المنشور لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة على الفيسبوك، فإنه كان موضوع ردود أفعال داخل مجموعة واتسابية وطنية تضم رفيقات ورفاقا أعضاء في الحزب، لست من ضمنهم، ربما لاني لم أطلب ذلك، وكانت جلها تراوح في عمومها بين استنكار فعل الإثارة العلنية لقضية موجعة، كقضية الموقف من النزاع الجنوبي، وبين الشك في نضالية صاحب المنشور وتصنيفه انبطاحيا.
لم يرد في الرسائل القليلة “المسربة” من المجموعة الواتسابية أي مساهمة في مناقشة الموضوع، ولكن مجرد اتهامات وتصنيفات، في مقابل أخرى دافعت مشكورة عن الحق في التعبير كواحدة من الأخلاق اليسارية الديمقراطية المفترضة.
هذا فيما يخص شكل التفاعل مع المنشور، أما بخصوص الموضوع، فإن الحزب كشف مرة أخرى عن استمرار نهجه القائم على كتم النقاش وتجاهل الآراء المخالفة، وهو ما تطرق له المنشور السابق واعتبره سببا في إحباط كوادر يسارية أصيلة وابتعادها عن الحزب والعمل السياسي عموما.
وإذ أعود إلى موضوع المنشور، أود أن أسجل مايلي:
– لم يدع المنشور الحزب إلى استبدال موقف دعم حق تقرير المصير بموقف مغربية الصحراء، وان كان لا يعترض عليه ويضعه احتمالا ضمن احتمالات يمكن أن يخلص إليها النقاش
– سطر المنشور على أن موقف دعم حق تقرير المصير، ليس موقفا للنهج الديمقراطي، وإنما هو تركة ورثها عن منظمة إلى الأمام، دون مراعاة للفرق بين التنظيمين من حيث الأهداف وخطط العمل والشكل التنظيمي. فإذا كان تأسيس النهج الديمقراطي فكرة خلاقة جاءت لتجميع المناضلين الديمقراطيين الجماهيريين في حزب سياسي، فإن المنطق والديمقراطية يفرضان أن تكون الأيديولوجية المؤسسة والخط السياسي والبرنامجان الاستراتيجي والتكتيكي ومختلف المواقف من القضايا الوطنية والدولية محط نقاش ديمقراطي بين الاعضاء، وتبني ما ترتضيه الأغلبية، والحال أن الموقف من النزاع في الصحراء لم يكن محط نقاش وانما تسلل إلى أوراق المؤتمر التأسيسي.
– وإذا كانت الاوراق التأسيسية قد حررت تحت السرعة وضغط ظروف الاعلان عن الحزب، فإن الأمر يختلف بعد مرور سبعة وعشرين سنة على التأسيس، يفترض أن تكون أشياء كثيرة قد تم تصحيحها وتحيينها مما قد يكون قد شابها من تسرع وفي إطار الاستفادة من الممارسة، وهنا أذكر الرفاق بمفهوم الاسلام الشعبي الذي ورد في وثائق التأسيس، علما أنه مفهوم غير دقيق ولم تؤسس له أي كتابات توضح المقصود به، إذ في إطار الاسلام الشعبي يدخل عدد من الممارسات المتخلفة والرجعية، كالشعودة والأضرحة والتمييز القائم على أساس النوع.
– عندما تقاسمت المنشور على جداري، كنت أعي تماما أنه لا حظ له في نيل الاهتمام والمناقشة، وذلك بالنظر لاختلال موازين القوى لصالح الحلقة السرية داخل الحزب وهيمتنها على التنظيم، ولعل المؤتمر الوطني الخامس لخير دليل على ذلك.
– إن أطروحة اليسار الجديد بخصوص قضية الصحراء تحكمت فيها الشروط العامة والخاصة لمرحلة الستينات والسبعينات، والتي اتسمت أساسا بإشعاع التجربة الگيڤارية، والانتصارات العسكرية للڤيتناميين والعمليات الفدائية للمقاومة الوطنية الفلسطينية وبروز التيار البلانكي بالمغرب ممثلا في جناح الفقيه البصري، مما شكل ملهما للحركات الثورية عبر العالم والمغرب، ولفت الإنتباه إلى نجاعة السلاح في إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وهي الشروط التي لم تعد مطروحة اليوم. إن الدعوة إلى مراجعة الموقف بخصوص النزاع في الصحراء لا يتضمن أي تنقيص مما أنتجته تلك المرحلة من أفكار ومواقف وأطروحات، وما تطلبته من تضحيات من نساء ورجال تلك التجربة، ولكنها سعي إلى تأطيرها في شروطها التاريخية من جهة، وتبيان عدم ملاءمتها لحزب قرر نهج سبيل النضال الديمقراطي.
– مراجعة المواقف السياسية ليس دائما مرادفا للتراجع وتقية للتقارب مع العدو الطبقي وغلافا للطمع في الانتفاع الشخصي، ولكنه مهمة من المهمات الثورية للمناضل الماركسي، الذي يجب أن يحافظ على يقظته في العلاقة بأهدافه، وعدم الاستسلام للعادة والتكرار. متوهما الدفاع عن الطهرانية، وهنا يسيء عدد كبير من الرفاق استعمال التعبير الشائع “وما بدلوا تبديلا” لأن المناضل هو من يفترض أن يتحلى باستشعار التغيير وتحيين تحليلاته وخططه. في واقع دائم الحركة والتغير بحسب عقيدتنا الماركسية، التغيير هو الشيء الوحيد الذي لا يتغير.
– ربما نحن الفصيل الوحيد من الحركة الشيوعية العالمية الذي لم يجدد أطروحاته منذ أن صاغها الجيل المؤسس بداية السبعينات، وقدر لنا أن نرثها عنه دون الحق في إلحاق أي تعديل بها تحت طائلة الوصم بالخيانة والانهزامية، ويمكن أن نستعرض هنا عددا من الأمثلة كالجيش الاحمر الياباني وحركة توباماروس، وحركة إيتا وحركة إيرا والألوية الحمراء، فقد كانت لها جميعها الشجاعة في مراجعة مشاريعها السياسية والتحول من خيار الكفاح المسلح إلى النضال الديمقراطي. وهو ما سمح لها بتعبئة مجتمعاتها لفائدة صف التغيير إلى درجة أنها استطاعت إفشال المخططات الامبريالية التي سعت إلى تتبيث حكم موال لها، كما حدث في البرازيل وبوليڤيا وعدد من الدول اللاتينية.
وإذ تتحكم في إثارة النقاش حول موضوع موقف حزب النهج الديمقراطي العمالي من النزاع حول السيادة على الأقاليم الجنوبية النية في كشف عدم الانسجام السياسي بين الموقف المستند إلى استراتيجية الكفاح المسلح وتنظيم يعلن النضال الديمقراطي خطا سياسيا له، فإنه في نفس الٱن يسعى إلى استفزاز الرفيقات والرفاق قصد الإدلاء بوجهات نظرهم في الموضوع. على أمل أن ننتقل إلى مرحلة النقاش الايديولوجي، نسائل خلاله الموقف ذاته، إلى أي حد هو موقف ماركسي، وذلك بالعودة إلى ما بلوره الماركسيون الكلاسيكيون في شخص ماركس وانجلز، والقادة الميدانيون لينين وستالين، ثم الماركسيون المجددون مثل روزا لوكسمبورغ، ولإغناء النقاش فإن الرفيقات والرفاق ذوي الاطلاع مدعوون للمشاركة فيه بما يجعله مفيدا ويجعلنا نطمئن ونثق في قراراتنا ونتحمل النتائج المترتبة عنها.