يوسف الطالبي
لم تحض قضية النزاع حول الأقاليم الصحراوية بالنقاش الكافي والواضح والشجاع في منتديات حزب النهج الديمقراطي قط، حيث ظلت تشكل المسكوت عنه، وهو أمر غريب جدا، إذ في الوقت الذي جاء تأسيس هذا الحزب كتنزيل وتطبيق لخلاصات تقييم تجربة العمل السري وتحديدا تجربة إلى الأمام، والتي انتهت إلى أن السرية حالت دون التجذر الشعبي من جهة وسهلت على المخزن تسليط قمعه على القيادات والكوادر، وبالنتيجة قررت قيادة المنظمة اقتحام مجال العلنية ونهج طريق ثالث بين التجربة الإصلاحية كما جسدتها أحزاب اليسار التقليدي ممثلا في أحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي في مرحلة لاحقة، و طريق الدعوة إلى التغيير عبر العمل المسلح السري.
وجاءت مرحلة الولادة تحت شعار من أجل خط للنضال الديمقراطي الجذري، وقد تجاوب هذا الشعار مع حاجة عدد من المناضلين الميدانيين في مختلف واجهات النضال الجماهيري، والذين كانوا يشعرون بالغبن وانغلاق السبل أمامهم للوصول بنضالاتهم إلى غاياتها في انتزاع مكاسب حقيقية لفائدة فئاتهم وقطاعاتهم، في ظل هيمنة البيروقراطيات على منصات الترافع السياسي والاجتماعي، كما أن غياب الديمقراطية داخل هذه الأجهزة، ظل يغلق فرص تقلد المسؤوليات أمام هؤلاء المناضلين، مما يولد الشعور لديهم بأن جهودهم تذهب سدى، ولا يستفيد منها إلا البيروقراطيون والفاسدون في المساومة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المشروعة للشعب المغربي.
لقد كان هذا الوضع، وما ينتج عنه من مشاعر حافزا سرع وثيرة التجاوب مع فكرة تأسيس حزب خطه السياسي هو النضال الديمقراطي الجذري، خاصة في ظروف الدينامية الجماهيرية التي عرفها المغرب مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، والتي شكل الإضراب العام لسنة 1991 أوجها، وتأسيس الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، وتنامي دينامية النضال النسائي، وتعالي أصوات المطالبة بالحقوق الثقافية والإثنية للمكون الأمازيغي، وانطبعت المرحلة أيضا بالاعلان عن الميثاق الوطني لحقوق الإنسان. وزادت حرب الخليج تأجيجا للأوضاع.
وإذا كان جواب “النضال الديمقراطي الجذري” جوابا موفقا من طرف قيادة إلى الأمام، جاء في وقت مناسب وتجاوب مع حاجة المناضلين الديمقراطيين الميدانيين ، فإنه في الوقت نفسه لم يكن مؤطرا تأطيرا كافيا من الناحيتين الفكرية والسياسية، مما جعل عددا من القضايا، ومنها قضية النزاع حول الأقاليم الجنوبية، تظل في باب المسكوت عنه، ولم تكن يوما موضوع نقاش وتواضع وتواضح، فكان من أعضاء الحزب من يعتبر أن الموقف الساري هو موقف إلى الأمام الداعم للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ومساعيها إلى تأسيس وطن مستقل للصحراويين هناك، تحت شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، في حين ظلت أقلية تسعى إلى فتح النقاش في الموضوع بلورة موقف يتلاءم والشروط السياسية الذاتية والموضوعية، إلا أن جهودها ظلت تواجه بالكتم والاهمال مما حدا بعدد مهم من كوادر المرحلة، أي مرحلة النضال الديمقراطي الجذري إلى التواري والانزواء، وليفقد النهج الديمقراطي طاقات كبيرة كان من شأنها تحديث التنظيم.
هل كان غياب التأطير السياسي والفكري للانتقال إلى خط النضال الديمقراطي الجذري مجرد نقيصة طالته كاي عمل إنساني، أم أن بثر النقاش والتفكير كان أمرا مقصودا؟
يشعر المناضلون الاعضاء في الحزب الذين لا تلقى دعواتهم لمأسسة النقاش في القضايا الإشكالية أن تجاهلهم مقصود مع سبق الإصرار، بل تعمق الاحساس لديهم أن النهج الديمقراطي هو الذراع الجماهيري العلني لمنظمة إلى الأمام، حيث إن النقاش في المنتديات التنظيمية محصور، وفي مناسبات عديدة تم الانقلاب على مقرراته أو أسقطت من جدول الأعمال. لقد كان يفهم من الوضع أن هناك تنظيم داخل التنظيم، أو كانت إلى الأمام تشكل ما يشبه الذراع الدعوي الإصلاح والتوحيد في علاقته بحزب العدالة والتنمية. فهم سيتعزز بعد تقدم النقاش إلى إجبار الصقور التي كانت تحافظ على مسافة من الحزب على الخروج ومواجهة الاجتهادات.
واليوم، وبعد انعقاد المؤتمر الوطني الخامس، والذي قدم نفسه على أنه نقلة نوعية في مرحلة البناء بإعلان نفسه كحزب للطبقة العاملة وعموم الكادحين، يتضح من خلال الندوة الصحفية التي عقدها الحزب لتقديم نتائج المؤتمر والتعريف بهويته الجديدة، أنه لا زال يتخبط في نفس الإشكال، وان هذا الإشكال سيزيد عمقا وانعكاسا على حاضره ومستقبله.
إذ في مشهد مخيب للٱمال، سيرد الرفيق الكاتب الوطني المنتخب عن جواب صحفي بخصوص الموقف من النزاع في الصحراء، أن كل ما يهم الحزب هو احترام الحق في تقرير المصير، ولا يهمه إن انضمت الصحراء للمغرب أو استقلت كليا أو شكلت إقليما مستقلا تحت حكم المغرب !!!!!
ما هذا؟؟!! كيف لا يكترث حزب سياسي لمٱل صراع سياسي في المجتمع الذي هو فيه!؟ أليس هناك من عناصر جيوسياسية وجب استحضارها من أجل مصلحة البلاد والشعب؟! أين هذا الموقف اللامبالي بمصير الصراع بالمنهج الماركسي اللينيني المعلن كاختيار وهوية ؟؟!! بأي صلة يمت هذا الموقف للصراع الطبقي؟؟!!
إننا بصدد معركة مصيرية للشعب المغربي، وجب اولا اتخاذ موقف بصددها، ثانيا الانخراط فيها على أرضية ذلك الموقف ، إننا لا نأخذ موقفا على قاعدة أخلاقية ” احترام رغبة الناس” ولكن نخوض معركة سياسية اقتصادية اجتماعية ضارية من أجل مصلحة الكادحين، وليس مباراة رياضية المهم فيها هي الروح الرياضية، وبعدها نصفق للفائز.