آخر الأخبار

حضور رئيس الحكومة للبرلمان : واجب سياسي أولا 

إدريس الأندلسي 

تناولت جلسة مجلس النواب يوم الإثنين  موضوع حضور رئيس الحكومة في إطار اللقاء الشهري لهذا المجلس معه. و كالعادة ظهرت نرفزة كبيرة في أغلب المتدخلين من صفوف الأغلبية التي تكفلت بالرد على تدخلات المعارضة.  الحضور الشهري ينظمه الدستور  و القانون الداخلي للمجلس  و سبق للمجلس الدستوري أن تتطرق لهذا الموضوع.

من تابع ما دار في بداية الجلسة البرلمانية يتبين له أن الممارسة السياسية لا زالت هجينة لدينا.  نعتمد قوانين كثيرة  و نعبر عن التشبت بالحوار الديمقراطي بين المؤسسات  و مع المواطنين  ، و لكننا نعيش بثقافة سياسية فقيرة تعتمد السير وراء التوجيهات  و الدعم غير المشروط للانتماء الحزبي  و القبلي و المصلحي و بالطبع لكل الوسائل التكتيكية السياساوية. أن ينص الدستور في المادة 100على خلق جو يضمن جودة العمل البرلماني  و يعطي للمحاسبة السياسية معنى حقيقيا ثم يربط القانون الداخلي تنزيل المضمون بشروط فذلك غير مجد.  حين يأتي رئيس الحكومة للبرلمان، فإن ذلك يضمن تواصلا مباشرا مع رئيس السلطة التنفيذية. و لكن ثقافة ممارسة السياسة تحكمها هموما أخرى.  و هكذا جاء القانون الداخلي لمجلس النواب لكي يفرغ المادة الدستورية من ثقلها السياسي. حضور رئيس الحكومة يتحكم فيه مكتب المجلس.  يمكن تقديم طلب حضور الرئيس إلى رئاسة المجلس و هنا قد يبدأ عمل تقييم في الكواليس السياسية حول جدوى أو خطورة الحضور.  ثم تأتي مرحلة الرفض أو القبول للطلب بعد تقديم أسباب الرفض و تكييفه حسب أحوال المناخ السياساوي. 

السؤال المطروح كان من المفروض أن يكون فرصة للتواصل مع النواب  و الرأي العام في ظل ما نعيشه من توتر إجتماعي  و الهجوم الذي استهدف رئيس الحكومة على الفضاء الأزرق و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. حضور رئيس الحكومة الشهري للمجلس ضروري و يجب أن يصبح موعدا قارا  و غير مرتبط بشروط تخضع لمنطق الأغلبية العددية  و التي يتبين أنه سبب في ضعف إيقاع التشريع ببلادنا و خصوصا على مستوى الإهتمام بمقترحات القوانين. 

حاولت بلادنا منذ تبني أول دستور غداة الاستقلال أن تغني الحياة السياسية بممارسات فضلى في دساتير بعض الدول  و خصوصا تلك التي ضمها دستور فرنسا. و لكن واقع الممارسة ظل، في الغالب، محدودا في دائرة الشكل. رؤساء الحكومات في كثير من الدول يحضرون بشكل منتظم و يساهمون في الرد على بعض الأسئلة و لو كانت ذات طابع قطاعي. المشكل يقتضي أن تأخذ الحكومة الأمر محمل الجد. فحضور رئيس هذه الحكومة عنصر هام في ترسيخ الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات  و خصوصا لدعم الوزراء خلال النقاشات حول تدبير السياسات العمومية  القطاعية. حضور رئيس الحكومة للبرلمان يشكل كذلك عنصر متابعة للنقاش السياسي وقد ينعش الإهتمام بعمل المؤسسات. إذا استمر الغياب أو قل الحضور في مناخ إجتماعي صعب  و انتظارات كبيرة للمواطنين  و زادت معه أشكال النقد الموجه للمسؤولين السياسيين  و على رأسهم رئيس الحكومة،  فلننتظر احتقانات في ظل ضعف لأليات الوساطة الإجتماعية. لكل هذا لا يمكن تبرير عدم الحفاظ على الحضور الشهري لرئيس الحكومة للبرلمان بفرامل قانونية من صنع سياسي لا يتوافق مع ما ينتظر بلادنا من تحديات في إطار النموذج التنموي الجديد و المسار الذي تعرفه قضية وحدتنا الترابية و كافة الاكراهات التي فرضها المحيط الدولي.  الأمر يحتاج إلى قرار سياسي يراعي المصلحة الوطنية  و تغليبها على مصالح اقلية لا يهمها إلا تضخيم نصيبها من ثروات بلادنا.