إدريس الأندلسي
راقتني كثيرا رسالة توصلت بها عبر الوسائط الإجتماعية على شكل تركيب يقارن بين خطابين. الأول سنة 1957 للملك الراحل محمد الخامس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة و الثاني للجاثم على صدور الجزائريين و المدعوم بالعسكر و المحب للكلام المسترسل، حتى لا أقول الإسهال، عبد المجيد تبون المؤتمر من طرف شنقريحة المسكون بغل منذ هزيمة امكالا في الصحراء المغربية. قضى بعض الوقت في بلادنا بعد أن سقط في شر أعماله و نسي أدنى شروط و قواعد تدبير الحرب. كان و لا زال كذلك يعتبر الجيش مسألة صفقات أسلحة قديمة و عمولات كبيرة و القضاء على كل صوت ينتقد أو يقول كلمة حق للحفاظ على ثروة الجزائريين.
الخطاب الملكي سنة 1957 ركز على مساندة قضية الشعب الجزاءري و على ضرورة حمايته من بطش المستعمر. أما الخطاب الثاني الذي كتبته المخابرات العسكرية ليقرأه عبد المجيد تبون فقد بين بجلاء أن على الأمم المتحدة فتح مستشفى لؤلاءك الأشباه للزعماء الذين يعادون الحقيقة التاريخية. كان خطاب محمد الخامس سلسبيلا بوعي تاريخي. و جاء خطاب تبون فاقدا لكل مصداقية. صدق المقاومون الجزاءريون المنصفون حين أكدوا أن الملكين محمد الخامس و الحسن الثاني قدما المال و السلاح و أن الشعب المغربي ساند بدون شرط إخوانه بما لديه من غال و نفيس. تبون رجل المهام في كل المراحل لا يهمه أن يكذب و لا أن يغالط الرأي العام الجزاءري أو الدولي. المهم هو أن يتكلم و يغالط و يسكن المرادية و يحمي أبناءه من المتابعات القضائية. قضايا الاتجار في المخدرات الصلبة لا زالت تلاحقهم رغم حفظها مؤقتا.
فرق كبير بين سلوك ملك فضل مواجهة فرنسا الإستعمارية و جينيرالاتها الطغاة و حكوماتها المتخاذلة و النفي إلى مدغشقر على أن يخون شعبه، و بين “رئيس ” لا قدرة له على الخروج إلى شوارع الجزائر العاصمة و باقي المدن. الخروج محفوف بأخطار المظاهرات من أجل خبز و سميد و زيت و عدس و سكر و غاز و كثير من الكرامة. كل ما يعانيه الشعب الجزاءري لا يساوى شيءا بالنسبة لنظام ملأ السجون بالمواطنين و بالضباط و بالصحافيين و بالقضاة و بالطلبة و بالنساء و حتى برؤساء حكومات. أما اغتيالات المناضلين الذين حرروا الجزائر من طرف الجناح العسكري الذي كان يضم بن بلة و بوخروبة الملقب بومدين فكانت كثيرة و تبين أن الغدر من شيم من استولوا على كفاح شعب. تم اغتيال عبان رمضان و هو القيادات الأولى للتحرير، و تلاه شريف بلقاسم و مصطفى بن بلعيد و بو ضياف و الرائد الزبير و محمد خميستي و محمد خيضر و اللائحة تطول و تبين أن الغدر بالأخ و رفيق السلاح و تصفية المجاهدين عقيدة لا زالت نتائجها حاضرة في جزائر اليوم. و الدليل على استمرار هذه المؤامرة الكبرى على أحرار الجزائر سيطرة العسكر و أجهزتهم المخابراتية على كل دواليب الدولة. بين عصا التعذيب و البترودولار يغيب “وعي أوروبا و برلمانها ” إلى أجل غير مسمى. وتبقى حقوق الإنسان لوحة رومانسية قد تحظى بمكان في متحف قرب مكاتب لوبيات النفط و الغاز و الأدوية و السجائر و الأغذية المسمومة.
كان تبون يتكلم دون ثقة في النفس و دون اقتناع بما أمره شنقريحة أن يقرأه. كانت القاعة شبه فارغة و الوفود الحاضرة تبتسم في إنتظار أن ينسحب من يعتبر الدول الكثيرة، التي اعترفت بمغربية الصحراء ، غير مسؤولة و لا عابئة بقضية لا تهم إلا الجزائر. مئات الملايير صرفت على قضية هدفها محاربة وحدة وطن و ذابت في حسابات بنكية في ملاذات ضريبية يعرفها الجهاز الحاكم في الجزائر. و النتيجة أكبر سجن جزائري في تندوف تسيره المخابرات و يراسه سجان برتبة رئيس رخيص و خائن عميل و مريض لا يملك مصاريف علاجه. الفرق كبير بين دولة أقنعت الكثير من الدول بقضيتها الوطنية المشروعة و دولة بعثرت مقدرات وطن و جعلت منه ساحة حرب على الإقتصاد و الديمقراطية حتى أصبحت صادرات المحروقات هي المصدر الأساسي للدخل الوطني. تلقى حراس الطبقة المسيطرة على الجزائر صفعة من دول ” البريكس” فقرروا أن يمنعوا ” البوز” بخطاب في الأمم المتحدة فوجدوا أنفسهم كطائر يغرد خارج سرب الطيور.
المغرب في صحراءه و الصحراء في مغربها، هكذا تكلم ملك المغرب و من وراءه شعب متماسك. نعم رفضنا مناورتكم الأخيرة خلال الزلزال لأنكم غير قادرين حتى على حماية شعبكم من الحرائق. المغاربة الذين واجهوا آثار الزلزال يكونون صفوفا متراصة لمواجهة أي خطر يقترب من وطنهم. و لنا في قواتنا المسلحة الملكية كامل الثقة لأنها أقسمت أن لا تخون الوطن و العلم. ” نحن الجنود في الوغى…نهزم كل من بغى ” هكذا هو الجندي المغربي المسكون بحب وطنه و المسلح بالعلم و التكنولوجيا و الإلتزام بأوامر قائده العام. رحم ألله الملك المناضل و محرر الأمة محمد الخامس الذي نطق بكلمة حق سنة 1957 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه الكلمة سجلها التاريخ، أما كلمة تبون فمكانها الطبيعي مزبلة التاريخ. قد يكتب لتبون أن يعود من جديد إلى الأمم المتحدة بعد أن يستمر قبول العسكر لخنوعه، سيردد نفس الخطاب و سيزيد عدد الدول التي تساند وحدة المغرب الترابية و قد تزيد عزلة نظام العسكر . و قد يزيد ضغط الشعب و يظهر أناس من رحم الوطن لكي يوقفوا النزيف لتظهر تباشير صبح جديد. إن الله يمهل و لا يهمل يا من سيدخلون مستشفى التاريخ.