آخر الأخبار

حلقات جامع الفنا ـ 14 ـ

حرف نسائية بجامع الفنا

كانت ساحة جامع الفنا فضاء ذكوريا لا تدخله المرأة إلا وهي مصحوبة بزوجها أو أحد أفراد عائلتها،ومع توالي السنين وأمام الحاجة الملحة للعنصر النسوي أخذ الرجل يمثل دور المرأة في العديد من الأعمال الفنية وسط الساحة غير أن المرأة تمكنت بعد ذلك من دخول الساحة كفنانة مثل الرحالية الجعيطية التي كان يتحلق حولها عشرات الرواد بالساحة كانت الجعيطية تشرب الماء المغلي وترضع الحية وهي تجذب على إيقاعات مهيجة والرواد يرددون ” اللهم صلي عليك آ رسول الله ” وترد عليهم الرحالية ” اللي عاودها الله ينجيه من كل سم ” ثم يرددون ثانية وثالثة نفس اللازمة، بالإضافة إلى إحدى الضريريات تعزف على آلة العود روائع فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ،بينما كانت أختها الضريرة كذلك تمسك بالدربوكة تشكل إلى جانب زوج أختها كورالا يسمع صوته من بعيد.

كما امتهنت بعض النسوة تجارة العقيق التي ازدهرت بالساحة خلال أواخر الستينيات وبداية السبعينيات إلى جانب الطواقي وقد تخصصت النساء في هذه الأصناف وأصبحن يجلن أطراف الساحة ويعرضن إنتاجهن  للسياح متنكرات في الجلباب والنقاب تخفي به جميع معالم الجسد الأنثوي صغيرة السن أو كبيرة لا فرق يحملن في ايديهن خيوط العقيق المختلفة الألوان والأحجام ومعها طواقي نزركشة فاقعة الألوان ويطفن بها معترضات سبيل السياح وقد تزامن ظهور هذه التجارة مع انتشار “الهيبيزم ” التي غزت المغرب في تلك الفترة وكان من بين ما خلفته هذه الظاهرة الإقبال على هذه المنتوجات الذي أصبح يزداد يوما بعد يوم،وكانت هذه التجارة تدر أرباحا مهمة على نساء الساحة. إلى جانب هؤلاء النسوة كانت أخريات يبعن السلال المصنوعة من الدوم وكن يصطففن ببعض جهات الساحة وعند مدخل السوق الكبير كل من دخله لا بد له من سلة يحمل فيها البضائع التي جلبها من السوق. تلك أهم الأنواع التجارية التي امتهنتها نساء الساحة وعندما كانت جامع الفنا و لا تزال قبلة للسياح فإن بعض الشابات كن يعملن مرشدات بدون رخصة يطفن بالسياح عبر أرجاء الساحة يقمن بالترجمة الفورية لما يدور في الحلقة، بعد هذا الطواف الذي تصر المرشدة على ألا يستغرق وقتا طويلا تدخل بالسياح إلى السوق للتبضع وهنا تكون الفرصة مواتية لها لكسب عمولة مهمة من طرف اصحاب البازارات،كان السياح يقفون مندهشين أمام هذاالكائن البشري الذي لا يظهر منه إلا العينان الكحليتان ويفضلنه على باقي المرشدين الذكور سواء كن برخصة أو بدونها. مع توالي السنين تزايد الخناق على النساء بالساحة لأنهن لا يتوفرن على رخصة للتواجد بها كتاجرات أو مرشدات ومع تراجع ظاهرة الهيبيزم وبوار تجارة العقيقي والطواقي،فقد تقلص تواجدهن بالساحة وبدأت بعض التجارات تختفي واضطرت بعضهن إلى دخول عالم بيع الهوى فيما فضلت أخريات امتهان حرفة النقش بالحناء. ،أرامل وأمهات ضاقت بهن سبل العيش ولم يجدن من وسيلة أخرى في ساحة تعج بمن يقتلع اللقمة من أنياب الأسد في كل مكان بالساحة يجلسن على كراسي بلاستيكية يسهل حملها كلما ضاق المكان واشتد حصار أصحاب الحال. لا تختلف النقاشة كثيرا عن باقي نساء الساحة سواء من حيث لباسها أو طريقة جلوسها نقاب أسود يحجب وجهها و لا يسمح إلا برؤية عينين كحليتين تتفرسان في وجوه المارة ومكان صغير تنتزعه النقاشة حسب مهارتها وقدرتها على ربط علاقات تستعين بها في أداء عملها ظاهرة النقش بالحناء ليست قديمة في ساحة جامع الفنا إنها أحد تجليات المنعطف التاريخي للساحة مؤتمر الكّاط الذي شكل نهاية مرحلة وبداية أخرى في تاريخ الساحة حيث طرد العديد من التجار والعاملين بغير رخصة كما أن العديد من المهن تم القضاء عليها فيما تمكن آخرون من التأقلم مع الوضع الجديد وامتهن حرفة أخرى تناسب الوضع الجديد واتخذ لهه مكانا مناسبا بين العاملين بالساحة.

لم يكن عدد النقاشات يتجاوز خمس نسوة عندما ظهر هذا النشاط أول مرة بالساحة ورغم جهلهن بقواعد النقش فقد استطعن أن يتعلمنه بسرعة فائقة،بل أصبحن يبتكرن طرقا جديدة حسب أذواق وميول زبنائهن التي تتشكل باستمرار.

وهن يفضلن العمل مع السياح الأجانب ويستشعرن بعش الحنين لمرحلة الإرشاد السياحي غير المرخص. تعتمد النقاشة في عملها على المكوث طيلة النهار في الساحة تقتعد كرسيها البلاستسكي وتحتفظ بكراسي لزبناءئها وأحيانا تلعب دور المترجمة للشوافة،إذا استضافت هذه الخيرة بعض الجانب، وبطبيعة الحال لكل شيء ثمنه.وقد تلجأ المسكينة اثناء الحصار إلى طلب الحماية من الخبازة حيث تجد لديها مخبأ تحتمي فيه إلى أن تمر عاصفة المراقبة. بواسطة الحاقنة، التي تملؤها النقاشة بمخلوط الحناء تخط نقوشها على الكفوف والأرجل وتختلف النقوش حسب أذواق الزبائن فهناك النقش المراكشي والفاسي،ويتميزان بخطوط دقيقة ومحكمة، يستغرقان وقتا طويلا لإنجازهما، وهذا النوع يقبل عليه المغاربة،وهناك النقش الخليجي الذي يتميز بخطوط غليظة ومفتوحة،ويفضله الجانب لأنه خفيف و لا يتطلب سوى دقائق معدودة. لم يعد النقش بالحناء يقتصر على الكفوف والأرجل بل تعداها إلى الأذرع والحزمة وأحيانا فوق لوح الكتف،وقد خلف هذا التنوع انتشارا واسعا بين الزبناء ليشمل حتى الرجال منهم هؤلاء هم من يحددون الأشكال التي يرغبون فيها، والتي غالبا ما لا توجد في الكاتالوك فهي تمثل أبراجهم أو أشكالا أخرى توحي لأشياء يستحبونها.

تجلب النقاشة مسحوق الحناء من السوق وتحضر سائلها اللزج عن طريق خلط المسحوق بالماء والقرنفل وقد تضيف بعض الثوم الذي يعطيه اللون سريعا.وعند الانتهاء من وضع النقوش تصب النقاشة سائلا مكونا من مزيج عصير الحامض والسكر،حتى يكسب النقش لمعانا وبريقا.ويبقى لكل واحدة منهن طريقتها في التحضير وجلب الزبناء حيث تلجأ إلى استعمال عبارات التقرب والتودد حتى تستقطب زبناءها.