آخر الأخبار

حلقات جامع الفنا ـ 16 ـ

حلقات قزمية تبيع الأوهام وتطارد الأشباح

نتشر بساحة جامع الفنا حلقات قزمية روادها  يجلسون القرفصاء مستظلين بمطريات متهالكة في انتظار زبناء يبحثون عن علاج للوهم بساحة جامع الفنا، أشخاص بجلابيب أدواتهم أقلام من قصب وسوائل صفراء تخط في أوراق بيضاء حروف وأشكال غير مفهومة يفترض أنها تعالج عدة أمراض كما يدعي هؤلاء الشيوخ المنحدرين من منطقة الوليدية يسمون ب ” أولاد بنيفو “.

يمسكون مطريات فقدت لونها الأصلي لكنها صالحة لحماية رؤوسهم من أشعة الشمس الحارقة، ينادون على زوار الساحة، بعضهم يحمل أقلاما، يرسم أشكالا هندسية بسائل أصفر على وريقات صغيرة قبل أن يلفها بعناية فائقة في حين ينهمك بعضهم في” نقاش حميمي” مع زبون سلم له مقبض المطرية ليمده بكرسي صغير يناسب شكل الحلقة ليستمع لأقوال ” الحكيم” وهو يشخص مرضه وطريقة العلاج.

قد لا يكترث زوار  جامع الفنا لحلقات ” بنيفو” الصامتة فروادها لا يغنون ولا يروون قصصا وحكايات بطولية، كما أنهم لا ينادون بأسماء الأمراض والأوبئة…أذوات عملهم بسيطة جدا: أقلام، قنينات الصمغ، وريقات صغيرة بالإضافة إلى مطريات متهالكة تجلب” السترة”  ليجلسوا القرفصاء تحت ظلها ونظراتهم تتعقب المارة و” تصطادهم” لعرض مشاكلهم الشخصية.

” تعالى أسيدي…أجي آلالــة… ديروا النية” بهذه العبارات يستقبل أولاد بنيفو زوار الساحة، أحيانا يقدمون كؤوسا من الشاي وأخرى يهمهون بكلمات غير مفهومة وأدعية تجلب الزائر ليجلس بدون شعور بالقرب من ” الحكيم ” الذي يطوقه بمسك مقبض المطرية.

يقول السي امحمد:” كانت ساحة جامع الفنا تضم حوالي 15 مسببا ينحدرون من قبيلة بنيفو بالقرب من منطقة الواليدية بإقليم آسفي، والتي تشتهر بكثرة المسببين، وأضاف الفقيه وهو يخطط على وريقات صغيرة جداول، نحن نسبب والكمال على الله”.

لا يقدم أولاد بنيفو سوى وريقات صغيرة (حجاب) ويطالبون زوارهم لوضعها على النار في موقد مع بعض الأعشاب الجافة ك: الحرمل، الفيجل، القزبر اليابس( تفاح الجن)… وهي وصفة عامة تصلح لعلاج بعض الأمراض المستعصية يوضحها السي امحمد كالتالي: لرياح أي مس الجنون،الشقيقة وهي الم يصيب الرأس، الماشيا التي تصيب الفم، بالإضافة إلى مرض لاكزيما وأمراض نفسية أخرى “يسبب ” لها أولاد بنيفو و لاتصلح لعلاجها سوى ” التبخيرة” على حد قول السي امحمد.

وعن سر تخصص قبيلة بنيفو بمهمة” التسبيب” واشتهارها بالساحة منذ عقود يروي السي امحمد قصة أقرب إلى الخيال العلمي أو أفلام كَريندايزر مفادها أن جدهم مر بجماعة ذبحوا بقرةة ووزعوا أعضاءها فطلب منهم الشيخ قطعة لحم لكنهم رفضوا ذلك فقام بوخز جثة البقرة بعكازه لتلتئم أطرافها ووقفت تخور للشيخ!! ومنذ ذلك الحين ـ يضيف السي امحمد ـ و اشتهر ذلك المكان بترابه الذي يعالج كل الأمراض”!!

تقدمت إحدى السيدات رفقة ابنتها وبعدما قبلت يد ” الفقيه ” جلست وقدمت البنت حيث طلب الفقيه الاسم والسن قبل أن يفاجئهما بقوله ” العكس” منهمكا في تخطيط ورقة صغيرة تارة بالصمغ وأخرى بسائل أصفر ثم وضع يده على رأس الفتاة وهو يتلو بعض الكلمات كانت الأم ترد عليه بين الفينة والأخرى بقولها: آمين…آمين.

انزعجت إحدى ” لاعبات “الكارطة بالقرب منه لتهمس في أذن صديقتها: هاد ” لعروبي ” يكذب عليها و لا علاقة له لقراءة الكف والغيبيات التي هي من اختصاص ” الكارطة ” حسب رأيها، لم يكثرت الفقيه لتعليقات العجوز التي كانت تنفث سيجارة من تحت نقابها لتمدها لصديقتها وهما تضحكان بصوت مرتفع وتستهزئان من غفلة المرأة وابنتها التي قبلت يد الفقيه ومدته ب” الفتوح ” بعدما أخفت ” الحجاب ” بين ملابسها.

يعتبر امحمد ساحة جامع الفنا ملاذا للمساكين للبحث عن الرزق ف” الله هو الذي يعالج الأمراض أما نحن فنسبب فقط”. لمدة طويلة يستمر عمل أولاد بنيفو بالساحة ينتظرون الزبون في ظروف قاسية، وهناك من يثق في ” بركة ” الفقيه. أما نقاشات الحناء ولاعبات الكارطة فينظرون لهم بازدراء على اعتبار أنهم دخلاء على المدينة، تقول إحداهن:” هؤلاء الرجال أكتافهم باردة، لقد تركوا البادية وجاؤوا للمدينة ينتشرون في الأرض بدون فائدة…يديروا الخير غير ف راسهم “.

فعلا لقد هاجر أولاد بنيفو القرية ليقيموا في مدينة مراكش في ظروف مزرية يقضون النهار في الساحة رغم قساوة الظروف المناخية، وفي الليل يلتجؤون إلى احد المقاهي المجاورة للساحة، همهم الوحيد جمع أكبر قدر من النقوذ والعودة للقرية لتسديد نفقات الأسرة واليت وقضاء بعض الوقت مع” لولاد ” ثم العودة من جديد للساحة التي تبتلعهم داخل عالمها المتناقض فأولاد بنيفو الفقراء ” يسببون ” لأشخاص من المدن الكبيرة المليئة بمختلف المؤسسات الصحية كما ينتزعون ” العكس ” عن شابات وشبان ينحدرون من أسر بورجوازية حداثية جعلتهم الساحة يقبلون على الاستماع لأولاد بنيفو وهم لا يعلمون الظروف المزرية التي يشتغل فيها أولاد هؤلاء الأشخاص البعيدين عن دفء الأسرة مقابل دريهمات قد لا تكفيهم للعيش بمدينة مراكش ولو في” فنادقها الشعبية ” ومع ذلك فأولاد بنيفو يسببون والكمال على الله!!